الاثنين، ١٤ تشرين الثاني ٢٠١١

انتبه ورائك مثقف! عادل سمارة

مثقفون وأكاديميون مهدوا للمذبحة
انتبه ورائك مثقف!
عادل سمارة
 
        في خضم الحديث على سطح السياسة لم يلتفت معظمنا لكثير من خطط الأعداء لاختراقنا ومنها خطة احتواء الكثير من المثقفين العرب، اختراق العقل الثقافي والأكاديمي، وفي سياق ذلك لم يتم التنبه لخطورة المثقف والأكاديمي حين يُخترق. ولا شك أن أحد اسباب عدم انتباهنا كان غياب الحركات السياسية التي تحمل الوعي إلى الناس والناس إلى الوعي وأساس هذا الوعي أن الغرب الراسمالي عدو بالفطرة والمطلق فما بالك بالصهيونية.
لعل تقليباً محدوداً لصفحات الفكر الاستعماري الغربي يُبرز للذهن مسألة هامة وخطيرة وقديمة مفادها أن الغرب فقط والأبيض فقط هو القادر على تغيير الواقع وهو القادر على التنوير  والاختراع والابتكار، وأن ما على غيره وخاصة إذا كان عربياً إلا ان يسير ورائه حيث ذهب ومهما قال.
هذه الفرادة المزعومة للغرب كانت ولا تزال آلية اختراق مثقفين وأكاديميين مُنحوا ليدرسوا في الغرب ليعودوا بعد دراستهم في الغرب للكتابة في هذا الأمر سواء مباشرة أو مداورة. لذا، غصَّت صفحات هذا الوطن بمدائح الديمقراطية الغربية اولاً، وبالتحريض ضد الدول العربية التي حاولت الخروج على إملاءات الغرب وتم التركيز على وصفها ب اللاديمقراطية، في حين هناك أنظمة عربية لا تعتبر رعاياها بشراً حتى ليُخيَّل إليك ان الخليج بلا مواطنين، بل مجرد هيئات حكم وشركات غربية وعمال أجانب. ولا يظهر العرب هناك إلى للاستهلاك والتدافع في أسواق البضائع كمشترين لا كمنتجين.
إذن بين حد زعم أن الغرب ديمقراطي هو وحده، وبين زعم أن الأنظمة العربية القومية مطلق استبداد بين هذا وذاك تولد وليد سفاح ندفع ثمنه منذ احتلال العراق: وليد جوهره أن تغيير هذا الواقع العربي مستحيل ذاتياً! فلا بد من قوة من الخارج كي تفتك به! بكلمة، فقد تم التركيز على وهمين:
·        وهم ديمقراطية الغرب
·        ووهم ان الشعب العربي عاجز عن التغيير الذي لا بد ان يقوم به الغرب
ورغم أن هذين الوهمين جرى زرعهما منذ عقود، إلا أن اخطر تجلياتهما كان حينما قام العراق باستعادة الكويت عام 1990، وهو أكثر حدث شق الصف الثقافي العربي علانيةً. فقد وقف مثقفو التغربن والتخارج والإمبريالية ضد العراق قبل أن تقف ضده الإمبريالية، وانهالت التنظيرات ان البسماركية لا تنفع للوطن العربي وأن عصرها قد انتهى وأن الكويت عضو في الأمم المتحدة لا يجوز لأحد ضمه إليه.. .الخ. ولم يتفهم الخطوة سوى المثقفين العروبيين، سواء بالوعي النظري أو الإخلاص الفطري، الذين يرون أن وجود هذه الدويلات الصغيرة مثابة بلاء على الأمة وهي ليست سوى قواعد للعدوان على الأمة نفسها، إسرائيلات عربية، وما أكثر الصهاينة العرب، فلماذا نلوم صهاينة كردستان؟. كان هذا قبل ان يتضح دور قَطَر الذي يؤكد كل ما ذهبنا إليه وأكثر. ومنذ 1990 جرى احتلال العراق على يد الولايات المتحدة وحلفائها، ثم احتلال ليبيا على يد نفس الحلفاء ولكن إلى جانب دور علني للعملاء العرب. وهذا تطور مختلف وجديد.
بيت القصيد أن المثقفين والأكاديميين المتخارجين واصلوا الدور الذي تعلموه في الغرب أو من الغرب، بأن اي تغيير عربي لا يمكن إلا أن يأتي من الخارج. وهو تفكير يرتد إلى تنظيرات الاستعمار الغربي طوال فترة الاستعمار وحتى اليوم ومفاده أن الاستعمار هو حالة إيجابية تنقذ البلدان المتخلفة من حضيض التخلف إلى الحضارة، وهو ما سقط فيه ماركس نفسه في مسألة الهند وإنجلز في مسألة الجزائر، ولاحقاً في موضوعة النمط الاسيوي في الإنتاج إلى أن بلور اللبراليون الغربيون نظريات شتى عن الاستعمار الإيجابي.
من يقرأ كتابات أكاديميي ومثقفي التخارج العرب منذ 1990 وحتى اليوم يجدها متركزة حول هذه المزاعم إلى أن تحولت إلى حملة متواصلة تهدف إلى إدخال هذا الاعتقاد في روع المواطن العربي كي ينتقل من رفض الاستعمار إلى  قبول استدعائه أو الصمت حتى حينما يُذبح اي قطر عربي. لذا، حين شرعوا في ذبح ليبيا، وها هم يشرعون في ذبح سوريا نجد الشارع العربي مشلولاً لو قارناه بانفجار هذا الشارع عام 1991 حينما جرى العدوان على العراق لإخراجه من الكويت.  هذا الضخ الثقافي والإعلامي والأكاديمي حال دون أن يسأل الناس أنفسهم:
·        هل كان سيُقتل في العراق من النظام البعثي مليون ونصف المليون كما فعل العدو الأميركي في حالة الحراك الشعبي ؟
·        هل كانت ستدمر ليبيا لو لم يتدخل الناتو ربما حتى قبل المظاهرة الأولى في بنغازي؟
إن الترسيخ في روع الشارع العربي بأنه عاجز عن التغيير ليس سوى آلية مقصودة لتبرير إعادة الوطن للاستعمار إما بالمذبحة كما العراق وليبيا أو بنفي وجود مجتمع كما في بلدان النفط.
 
ما العمل؟
 
أما والمذبحة في سوريا على الأبواب فما العمل؟
 
إن الحد الفاصل بين النصر والهزيمة أمضى من حد السيف ولا يعتمد على السلاح فقط بل على سلاح السلاح: ضبط الأعصاب لحظة الاشتباك ودقة التهديف حتى لو كان السلاح كلمة. حين تفيض الهجمة على الأمة إحفر خندقك واقبض على عنق عدوك الذي بجانبك. هذا مبتدأ المقاومة  قبل قرار جامعة التجزئة العربية بزمن مديد، فلولا التجزئة لما كانت ولا بقيت هذه المؤسسة المنحدرة من صُلب بريطانيا. ولولا خلل قيادات المشروع القومي لما آلت الجامعة إلى ايدي وكلاء الغرب في الخليج فكان الأمر: كي تبقوا في مناصبكم قوموا بما نأمركم لاستئصال المشروع القومي، فكان ما كان في العراق وفي ليبيا واليوم سوريا. ومن لم يعرف هذا فليعتذر لعقله وشعبه وليلحق بالركب الذي يرفض الذبح.
لذا نقول للناس، إبدأوا بالجيش الأول ـ جيش الهيمنة الثالثة: دوماً هي ثلاثة جيوش التي يُغزى بها الوطن العربي ويتم استئصال المشروع القومي، المشروع القومي الوحيد في العالم الذي يخونه بنو جلدته علانية وبأجرة لا شك. يكون الجيش الأول هو الإعلام والثقافة والخطاب، ويكون الجيش الثاني هو العسكر حمير كل عصر، ويكون الجيش الثالث راس المال. لكن الغرب طور أدواته وخططه بعد مذبحة العراق وأفغانستان المتبادلة، ذبحونا بالجملة وذبحناهم بالتقسيط وها هم على حافة الخروج، إنما غير المؤكد. علَّمهم درس العراق أن يُسلَّحوا عملاء/عقلاء الثقافة بعملاء القطيع فصار جيش الهيمنة الثالثة من مثقفين بالقلم وحثالات بالسلاح يحترفون القتل ويُكافَؤون على الرأس. الأول لبرالي والثاني من الدِين السياسي ليرفعهم الغرب إلى الحكم كما رفع وهابيو الخليج.
        لا غرابة إذن أن الصف الأول في الهجمة على المشروع القومي كان من أكاديميين ومثقفين، ومن ثم قطيع السُوقة والعَوام. هكذا كان في العراق ومن ثم ليبيا والآن سوريا. لذا، يجب التصدي لأقلامهم باقلامكم وقد انكشفت ارتباطاتهم بدءأ من الشيخ يوسف القرضاوي في معسكر السلفية الوهابية حيث كل شيء هناك بيد الولايات المتحدة إلى عضو الكنيست عزمي بشارة الذي يشكل همزة الوصل بين ثقافة الوهابية والفكر الصهيوني إلى برهان غليون حيث التتلمذ على لبرالية الإمبريالية لأربعين سنة. هذه الخلية الثلاثية لها تمفصلات عديدة في الوطن العربي، فانظر إلى جانبك أو من خلفك تراهم. وانظر إلى دوائر المخابرات تراهم، وانظر في صفوف تلقي شيكات الأتعاب تراهم ايضاً. لا يمكن لأي لبرالي أن يقدم هذه الخدمة مجاناً. كيف يتم ترتيب الأمر وإخفائه: هذا له طرق شتى.
        لا بد من مشروع إعادة الوعي للشارع حتى في خضم المذبحة. لا بد من التصدي لكل فرق تسليم الوطن للغرب  ليصبح الوطن بأسره خليجاً بنفط وبلا نفط. من هنا يكون فضح مثقفي وأكاديميي التخارج بالأسماء وبالوقائع.
        يجب ان لا يمر العدوان على سوريا، حتى لو لم يقع بطائرات الناتو، مروراً عادياً. من يستطيع التكهن بعدم إقدام الناس على التظاهر حتى في خليج النفط، وإقدام الناس على ضرب المراكز الثقافية الغربية التي ما تزال حواضن مثقفين واكاديميين انخرطوا في حرب نفسية ضد وعي المواطن العربي. من الذي بوسعه حماية هذه المراكز، وحتى مؤسسات أنظمة التبعية ؟ هل يمكن لأمن ومخابرات الدولة القطرية أن تتجند كلها ليل نهار لوقت طويل؟ ما الذي يدفعها لذلك؟ إخلاصها؟ أم رواتبها؟
إن تفكيك مفاصل خطاب عملاء الثقافة لا يقل أهمية عن تفكيك مفاصل أجهزة الدولة القطرية سواء بالتظاهر أو العصيان المدني أو حمل السلاح أو اي فعل يخدم القضية اليوم.
ما الذي يمنع الشباب العربي من تفجير مصالح الغرب ونفطه كما يحصل في سيناء لأنابيب الغاز المرسل إلى الكيان ويُحرم منه المصريون، كان هذا من عهد مبارك، وحافظ عليه طنطاوي بالنواجذ!
        حينما تضطر الدولة القطرية إلى تسخير ما لا يقل عن دزينتين من الجنود كورديات لحراسة كل موقع من هذه، وبشكل دائم، فهي لا شك سوف تتعرض للإرهاق والتعب النفسي، وحتى بعض أفرادها قد يبدؤون بفهم اية مهمة قذرة يقومون بها.
إذا كان حكام العرب قد قطعوا العلاقات مع سوريا، ويجهزون لغزوها كأدوات لغزاة الناتو، فإن ضرب مفاصل هذه الأنظمة سيكون قطع شعبي للعلاقة بدول الناتو: سفارات أو قنصليات أو مراكز (مستعمرات) ثقافية أو شركات أو ملحقيات تجارية...الخ هو أمر ضروري.
        وهذا يفترض ويشترط بدقة التفريق بين الرعايا من هذه البلدان وبين المراكز والمصالح التجارية والرسمية. وحتى لو كان المواطن موظفاً في هذه الأماكن، فهو ليس هدفاً إطلاقاً، فالثوري المشتبك ليس غوغائياً.
 إن قوة التفريق بين المواطن، بين الإنسان وبين النظام الرسمي هي قوة نضال واعٍ يجب الارتقاء بها عن ممارسة الإرهاب الذي قاموا به ضد الأبرياء من شعبنا ومن أمم العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق