الاثنين، ١٤ تشرين الثاني ٢٠١١

حياة الحويك عطية - الديمقراطية القادمة


حياة الحويك عطية

 الديمقراطية القادمة 
من القاهرة الى عمان ، تتجلى الديمقراطيات التي تهل على العالم العربي باحلى صورها ، فهناك في عاصمة المعتز يقطع شبيحة فئة من المعارضة السورية الطريق على وفد هيئة التنسيق الوطني فيكسرون يد احدهم ويضربون الاخرين ويغرقونهم بالبيض ويمنعونهم من التعبير عن رايهم لامين عام الجامعة العربية . وفي عمان يتظاهر ثلة من المثقفين والكتاب امام مكتب الجزيرة احتجاجا على الخطاب التحريضي غير الموضوعي الذي تقدمه القناة فيما يخص الاحداث العربية ، فيتعرض لهم شبيحة الجزيرة ويوسعونهم ضربا وينتهي الطرفان في مركز الامن .
"جمهورية الجزيرة الديمقراطية " ، كما كان يحلو للبعض تلقيبها خلال ايام عز الراي والراي الاخر ، وجامعة الدول العربية التي انشئت لصون العمل العربي المشترك ، تقدمان بهذين الحدثين دلالة عميقة وهامة على مصير العالم العربي : عجز عن ممارسة الديمقراطية ، وعجز عن صون العمل العربي المشترك وتقديم حلول عربية للمشاكل العربية .
لكن وقفة قصيرة امام هذا الاستنتاج المحبط تقود الى سؤالين واضحين : كيف كان لنا ان نصدق وهم اعلام ديمقراطي ملتزم بالموضوعية ، في مؤسسات لم تكن الا ترجمة للنظام العالمي الجديد  وصيغته الاقليمية التي استهلت باحتلال العراق وتصفية قضية فلسطين ؟ وكيف كان لنا ان نركن الى دور الجامعة العربية وليس في تاريخها محطة حلت فيها معضلة عربية داخل دولة او بين دولتين او مع دولة خارجية ؟
فبالنسبة للسؤال الاول ، يراوح الجواب بين نوعين من الاعلام : اعلام الدولة او النظام الحاكم ، والاعلام الخاص ، وقد اخطا من عوّل على ان بين  المحطات الاخبارية  المسماة خاصة، من هو كذلك بالفعل . لان من يمولها هو النظام او الاسرة الحاكمة ، ومن يضع ستراتيجيتها هو الحكم ، والحكم بالتالي ليس حرا في ستراتيجيته ولا ديمقراطيا في نظامه ، وفاقد الشيء لا يعطيه . والنتيجة ان كل اعلام اخباري عربي هو اعلام نظام ينفذ ما سمى في علم الاتصال بدعاية الحرب ، التي لا تعرف الصدق ولا الموضوعية .       
 اما بالنسبة للسؤال الثاني المتعلق بالجامعة العربية / فعلى هامش السؤال الكبير حول ما فعلته الجامعة العربية لفلسطين،  تطرح عشرات الاسئلة الاخرى : ماذا فعلت الجامعة العربية في مسالة توحيد الكويت مع العراق بعد الانسحاب البريطاني عام 1963؟ الم ترفض الامم المتحدة فصل الكويت ، لتاتي الجامعة العربية وتتامر على اخراج المندوب العراقي من القاعة واتخاذ قرار بارسال قوات مصرية سودانية سعودية سودانية لمنع الوحدة بين البلدين ؟ الم تكرر الجامعة التامر ذاته بحق العراق عندما اتخذت قرار الادانة عام 1990 رافضة ان تتسلم من الملك حسين ، رد صدام حسين الموافق على الانسحاب من الكويت ، لتفتح الطريق على تشكل ما سمي بالتحالف الدولي في حفر الباطن وتشارك فيه دول عربية ؟ ماذا فعلت الجامعة العربية بعد احتلال هذا البلد ؟ ماذا فعلت بشان الجزر الاماراتية المحتلة منذ عقود ؟  ماذا فعلت للبنان في حرب 2006 وفي كل ما تلاها من ازمات غير زيارات متكررة لا تؤمن الا مياومات الامين العام والوفد المرافق ؟ ماذا فعلت الجامعة للسودان لمنع تقسيمها ؟ ماذا فعلت لحل المازق الليبي دون منح الناتو فرصة احتلال البلد وتدميره ؟ وماذا تفعل الان للمازق السوري كي لا يؤول الى مصير لبناني او عراقي او ليبي ؟
ملاحظات تؤكد كلها على امرين اساسيين : الاول ان كلمة ديمقراطية هي كلمة فضفاضة لا معنى لها اذا ما اقتصرت على الاطر والاشكال والقرارات الاتية من فوق : من سلطة غير ديمقراطية . وما يحمل وحده معنى حقيقيا هو بناء ثقافة ديمقراطية تبدا بتكون الفرد القادر على اتخاذ خياراته الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية بوعي كامل ، وبحرية كاملة ، حرية تنتج عن المحاكمة العقلانية لا عن الارتباطات العرقية او الدينية او غير ذلك مما ياتيك بالولادة لا بالخيار ( اللهم الا الارتباط بالوطن او الامة ، ذاك الذي يشكل وحده المقدس المحرم ) ، وبهذا لا نجد ان غالبية من في  المعارضات هم اكثر ديمقراطية من الانظمة ، خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار امرين : الاول حوافز الانتقام من سلطات ظالمة ، وحوافز الارتهان لاطراف اخرى مجزية .  اما الاقلية المتبقية والمتشكلة من الواعين سياسيا ، الديمقراطيين ثقافيا ، فهم اولئك الذين يرفضون الانظمة لتعارضهم مع ادائها ، ولكنهم يعرفون ايضا ان لا ثقافة ديمقراطية في غياب السيادة الوطنية والقومية ، سواء كان ذلك الغياب احتلالا مباشرا ام مصادرة للقرار . وهؤلاء هم المغضوب عليهم من قبل الطرفين الاخرين ، لكنهم في النهاية من يقع عليهم رهان التغيير الحقيقي .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق