الاثنين، ٢٦ أيلول ٢٠١١

تغيير المدراء تغيير المراحل

حياة الحويك عطية
هي الستراتيجية نفسها، والميكانيكية التكتيكية تعيد نفسها. في السياسة وفي الاعلام.
النظام العالمي الجديد، وترجمته في منطقتنا: مرحلة اولى حتى احتلال العراق ومرحلة ثانية حتى عام 2006، ومرحلة ثالثة حتى "الثورات العربية" تنقسم بدورها الى قسمين: مرحلة انتهت بسيطرة الاطلسي على ليبيا، ومرحلة يدور الرهان الكبير فيها على سوريا.
الجزيرة، اسم لم يكن الا حاضرا وكبيرا في كل هذه المراحل، وختام كل منها، انعطافة مدروسة هادفة تترجم بتغيير المدير، من محمد جاسم العلي الى وضاح خنفر، وفي كل مرة حلقة لفيصل القاسم.
نشا النظام العالمي الجديد، وكان من ابرز ظواهره ما سمي "بمجتمع الاتصالات" الذي ترجم نفسه لدينا بظاهرة الفضائيات العربية. ظاهرة استطاعت محطة الجزيرة ان تتصدرها لاسباب كثيرة لخصها المختصون بشعار المحطة: الراي والراي الاخر، بمستوى المهنية العالي الذي ورثته من البي بي سي، وبالتمويل السخي الذي قدمته دولة قطر. لتاكيد وجودها ودورها على الخارطة الخليجية والعربية والعالمية.
في تركيبة المحطة ترجم ذلك باعتماد التعددية في تشكيل الفريق (بالنسبة للاقطار، للاديان، للطوائف، وللتيارات السياسية الموجودة على الساحة العربية) وفي تركيبة البرامج ترجم ذلك بالبرامج الحوارية وفي سبق التغطيات التي تلتزم الراي والراي الاخر.
كانت التيارت الاربعة: القومي، الاسلامي السني، والاسلامي الشيعي والليبرالي، ممثلة بالبرامج الاربعة الرئيسية واصحابها: فيصل القاسم، احمد منصور، غسان بن جدو وسامي حداد (الدرزي والسني والشيعي والمسيحي) في تركيبة لا مكان في تقسيرها للصدفة والعفوية، الا بقدر وجود العفوية في المظاهرات التي كانت تخرجها الانظمة العربية تاييدا لقراراتها.
كان هذا الجو ضروريا لاستقطاب الراي العام العربي، ونجح في ذلك بلا حدود. بل انه جعل هذا الراي العام ينسى بناء اكبر قاعدة اميركية في العالم على ارض العديد. ويتقبل ولو على مضض ظهور الاسرائيليين على شاشة المحطة الاكثر انتشارا في بيوت العرب. فقد فتحت له القناة ساحات الصراع السياسي الحر لاول مرة، وتركت له ان يعبر عن نفسه كما لم يعتد هو المكبوت منذ قرون. وانحازت الى قضاياه الوطنية الكبرى هو الملتزم رغم كل معاناته بهذه القضايا.
احتل العراق عام 2003، انطلاقا من قاعدة السيلية في قطر، وحان وقت الانتهاء من الخطاب القومي، لاسباب كثيرة من اهمها ارتباط هذا الخطاب جذريا بموضوعة السيادة، والحاجة الماسة للاميركي الى نزع الصفة القومية عن المقاومات، خاصة في العراق، المعد منصة لاطلاق الصراع المذهبي السني الشيعي، القادر وحده على شق العالم الاسلامي من الهند الى بيروت، وعلى زرع الفوضى الخلاقة التي تشكل عنوان الشرق الاوسط الجديد.
صدرت وول ستريت جورنال بافتتاحية تدين علاقة محمد جاسم العلي بصدام حسين، لكن صلب المقال لم يخصص للعلي الا فقرة، وهاجم كل الصحافيين الذين عارضو المحافظين الجدد، وركز في كل ما تبقى على ضرورة تغيير خط المحطة داعيا الامير الى تحمل مسؤوليته، وخرجت محطة الحرة بشريط سجل زيارة العلي الى عدي وصدام، وكانها تكشف سرا خطيرا، لم يكن في يوم من الايام سرا.
في ليلة واحدة، اقيل العلي، ومعه محمد السهلاوي ومدير الاخبار، دون وجود مدير جاهز. تنافست التيارات الموجودة، لتفاجا كلها باختيار وضاح خنفر المراسل الاسلامي. واثيرت التساؤلات الكثيرة حول الاختيار.
مع وضاح راحت تتضح عملية اسلمة خطاب المحطة ونهجها وتركيبتها، وبدا كاننا ندخل في خطاب عولمي اسلامي يسير جنبا الى جنب مع الخطاب العولمي الاميركي. خطاب ساهم بشكل قوي في اثارة التعرة المذهبية المطلوبة.
اندلعت الانتفاضات الشعبية العربية، وكان هذا الخطاب هو السائد والمهيمن على التغطية، الغيت كليا برامج الحوار، ووضعت على الرف شعار الراي والراي الاخر، ومعه المصداقية المهنية، وبت تشعر ان المذيعة تكاد تنقض على المشاهد من الشاشة، وان الجميع تعلم ان عليه الا يترك مشاركا يكمل جملته.
دولة قطر تورطت في ليبيا، ووراء ذلك قصة الغاز وصراعاته، عدا عن الاطلسي. وهذا الخطاب كان مفيدا مع التركيبة الليبية. اما الان وقد انتهت الامور هناك، فان الرهان بات على سوريا، وفي سوريا اثبتت الاحداث، ان الخطاب الاسلامي المتشدد، يدفع جميع الاقليات الى الوقوف الى جانب النظام، او الى المطالبة باصلاحات علمانية، كما يعزز موقف رفض التدخل الاجنبي. اذا فالحاجة عادت تتطلب تعددية في التركيبة ضمن فريق القناة، وعودة البرامج الحوارية، والوجوه القديمة.
ويكيليكس تتكفل هذه المرة عام 2011 بدور الحرة وول ستريت جورنال عام 2003، لتتشكل الحجة، ويقال خنفر وجاب الله، ومن ثم يعود القاسم وحداد، وربما غدا غيرهم، ولتكون اول حلقات فيصل القاسم عن سوريا، كما كانت اول حلقاته عام 1996 عن مجلس التعاون الخليجي مع فارق ان القاسم لم ياتنا هذه المرة بشخصيتين ثقيلتي الوزن كما فعل يومها، بل بشاب سوري " ثائر" خارج لتوه من بيير كاردان، عبورا بحلاق يتقن التسريح على طريقة المغنين، ويعتمد اسلوبا في الخطاب بات معروفا تماما لاولئك الذين يتدربون مع اندومن ديموكراتي وميديا انجاجمنت تيم. اسلوب من خصائصه قول كلام معد مسبقا والتحدث بسرعة وبدون اعطاء فرصة للطرف الاخر للرد، ودون الرد على ما يقوله، واغراقه بالشتائم المكالة له ولمسؤوليه، وشخصنة الهجوم "انت"  "زعيمك" "حراميك" الخ .اما  في مقابله  فمسؤول سوري ضعيف الحجة، وفقير بالحجج وبالوثائق وبالجدل السياسي. في حين يتولى المذيع دور فريق الاسناد  للطرف الاول، دون اي التزام بدور المذيع المفترض.
قالها عزمي بشاره على شاشة الجزيرة نفسها: بعد سقوط طرابلس منتقدا اعلام المرحلة السابقة، لم يعد هناك حجة لهذا النوع من الاعلام، فلنعد الى اعلام متوازن.
غير ان المسألة اكبر من الاعلام، انها مسالة اعتماد ستراتيجة جديدة يحتاجها الوضع السوري ولم يكن يحتاجها الليبي.

الاثنين، ١٢ أيلول ٢٠١١

سوريا إلى أين؟ حسن حمادة

حسن حمادة
ورقة عمل مقدمة ضمن ندوة في مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت

يا له من سؤالٍ مرعب. الحياء يحول دون سماح كاتب هذه السطور لنفسه بأن ينظر في الأزمة السورية، فيتصوّر حلولاً، أو ينصح باعتماد حلولٍ، فيما ينطبق عليه القول المأثور: "طبيب يداوي الناس وهو عليل". فَمَن كان نظام التفرقة العنصرية نظامه، أبارتايد على قاعدة طائفيةٍ – مذهبية، لا يحق له أن يقترح على الآخرين نظاماً، أو ان يظن نفسه، ولو للحظة، أنه يمتلك الأهلية السياسية أو الأخلاقية لإرشاد الآخرين. لكنها الجغرافيا، صاحبة الحكم المطلق، والحكمة الثابتة، قاعدة القياس، ومعيار الحقيقة، تجعل من الشقيقين التوأم، لبنان وسورية، متكاملين عضوياً، ترتد أحوال كلاٍُّ منهما على الآخر، بإيجابياتها وسلبياتها، فهما يشكلان حوضاً استراتيجياً واحداً، من المستحيل تفكيك أواصره، وما أكثرها.
فبما أنها الجغرافيا، باسمها أستميحُ الحياء عذراً لأحاول الإجابة عن السؤال المطروح، سورية إلى أين أو "لبنان إلى أين"...؟ مستقوياً باحترام بموجبات المبدأ القائل: "من سلامة الإنسان قلة حفظه لعيوب غيره وعنايته بإصلاح عيوبه"..
فمن داخل الحصار المفروض علينا من المعتقلات الطائفية – المذهبية، وعمودها الفقري ثقافة الكراهية للآخر، تنطلق محاولة الإجابة على السؤال، بعد الإقرار للأستاذ ميشال كيلو، الأديب والمفكر والمكافح الديمقراطي المرموق، بأحقيته في تقديم الصورة التي يجدها الأقرب إلى الواقع القائم، وتشخيص خلفية الأزمة العاصفة بالجمهورية العربية السورية.
الحوار الناجح أو... الكارثة.
1 ـ ربمّا كانت سورية، ومن خلفها لبنان، ذاهبة إلى الكارثة، بسبب تعطلّ الحوار الداخلي الواسع، لعدم اكتمال عقد المحاورين من بين القوى، والاتجاهات، والكتل، والفعاليات، التي يعوّل عليها للتوصل مع ممثلي النظام الحالي إلى مشروع متكاملٍ للإصلاح بدأت ملامحه الأولية، أقول الأولية، بالظهور مع إعلان الرئيس السوري بكل صراحة عن عزمه على تحقيق هذه الإصلاحات وإقراره لبعضٍ منها، وخصوصاً ما له صلة بالتعددية السياسية وإنهاء نظام الحزب القائد، أو ما له صلة بقوانين الطوارئ، كبداية للتغيير الشامل، وهي مشاريع إذا ما قدر لها أن تدخل حيز التطبيق، في الواقع العملي، سوف تنشئ نظاماً ديمقراطياً تمثيلياً ركيزته الالتزام بالحريات العامة والحقوق الفردية التي، من دونها، لا وجود أساساً لدولة القانون، وبالتالي لا وجود للديمقراطية وللحرية ولحقوق الإنسان.
2 ـ من الواضح اليوم أنه يوجد معارضات، متعددة الاتجاهات، وهذا يمكن أن يشكل قوة دفعٍ لمسيرة بناء الديمقراطية. وإلى جانب هذه المعارضات واحدة تخوض مواجهاتٍ مسلحة مع النظام تجعل منها عقبة جدية في سبيل الحوار وعنصراً أساسياً في استراتيجية التدخل الأميركي – الإسرائيلي على الطريقة الليبية او العراقية.
أمامنا إذاً معارضات مدنية، غير مسلحة، من رموزها من يتمتع بشهرةٍ عربية، وحتى دولية. إن عدداً من هذه الرموز يقاطع الحوار الوطني، بدءاً من اللقاء التشاوري، بحجة عدم جدية النظام، وبالتالي لأنعدام الثقة به، وهي تحمّل النظام مسؤولية استغلال الأميركيين – وبالتالي الإسرائيليين والأوروبيين – لمواقفها لتبرير توجيه ضربة عسكرية لسورية، ضربة تشكل ذروة طموح الإسرائيليين، إذ معها قد تكتمل شروط العبوديّة، القديمة – الجديدة، المفروضة على المنطقة، بصيغتها الملائمة مع عصر الآحادية الدولية، وتنظيماتها الاقتصادية النيوليبرالية، وهي أخبث أشكال الديكتاتورية، حيث يتم تحميل الأشياء والظواهر تسمياتٍ وأوصاف تتناقض بالكامل مع حقيقتها وواقعها، بحيث تتماهى مع سلوك الامبراطورية وأولها ثقافة الكذب la culture du mesonge التي تنشرها الامبراطورية: مكافحة الإرهاب، تدمير ترسانات اسلحة الدمار الشامل، نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، مساعدة الشعوب على التحرر من الديكتاتوريات... مع ما يرافق ذلك من تشغيلٍ لمختبرات استنساخ أجيال وأجيال من العبيد، المتمسكين بعبوديتهم باسم الحرية والمعرفة!!!.. هكذا، باختصار، يصبح حمد آل ثاني قائداً ثورياً تحررياً يحل محلّ غيفارا، ولا يحرك ذلك استهجان سوى قلةٍ قليلة من الناس!!!... هذا طبعاً على سبيل المثال وليس الحصر. والأمثلة، في سياق الاستنساخ، لا تحصى ولا تُعدّ.
3 ـ لا بّد من التوقف عند موضوع توفر الثقة بين بعض المعارضات المدنية آنفة الذكر، من جهة، والنظام من جهة ثانية. لابّد من التساؤل عمّا إذا كان عدم توّفر الثقة يشكل مبرراً مشروعاً وكافياً وذات مصداقية لمقاطعة الحوار؟...
قبل البدء بالإجابة من واجبنا التمعن بتكلفة فشل الحوار، تكلفته على سورية الوطن – المجتمع، وتكلفته على المستوى القومي والاقليمي وحتى الدولي.
من الواضح تماماً أن الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، لا تريد للحوار أن يقوم أو أن ينجح. لذلك نرى الستار الحديدي- والمقصود هنا أجهزة الإعلام الغربية الأساسية، المملوكة مباشرة من الكتل الصناعية العسكرية، خلافاً لألف باء الديمقراطية وحرية الإعلام وتعدديته – بغض النظر بالكامل عن "إنجازات" الجناح المسلّح من المعارضات السورية، هذا إذا سلمنا جدلاً بأن هذه المجموعات المسلحة تستحق بأن تُسمّى معارضة، أو حتى معارضة مسلّحة.. وبحصر الستار الحديدي كل المسؤولية بالنظام لوحده الذي يواجه ملائكة أطهار.
إن تقنيات الدعاية Propaganda الحربية، العدوانية، الأميركية، تتطلب دائماً تجييش شعبي شبه هستيري، في الولايات المتحدة أولاً ثم في أوروبا، يساعد على اتخاذ القرارات بشن الحروب العدوانية، ويبررّها، ويبرئ الوحوش الأميركية – الاطلسية سلفاً من كافة المجازر والاستباحات التي يرتكبها هؤلاء الوحوش وآلتهم العسكرية التي تنفذ الإبادة الجماعية وكل أشكال جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتضع مرتكبيها في مأمنٍ من أي ملاحقة قضائية فعلية. وأُشدد على عبارة ملاحقة قضائية فعلية إذ كلنا نتابع كيف تتم حماية المسؤولين الإسرائيليين من الوقوع في أشباك القضاء، في الاتحاد الأوروبي، ونعرف كيف جرى تهريب طوني بلير وإنقاذه من أية ملاحقةٍ قضائية، بل وكيف كوفئ بترئيسه لما يسمى بـ"الرباعية الدولية" المولجة بحل قضية فلسطين. والحل هنا يقضي بالإجهاز على القضية الفلسطينية، لكن الموت الأخلاقي – الثقافي – السياسي- للأعراب جعلهم يتعاملون مع هذا الدور الجديد لطوني بلير بشكل طبيعي جداً، لم يحرك بهم ساكناً، ممّا يثبت أيضاً أن "الانتماء" الوطني والقومي والإنساني والمجتمعي هو في حالة احتضار، بل ويلفظ انفاسه الأخيرة. نجاح عملية استنساخ العبيد.
هذه التقنيات الدعائية الحربية العدوانية، الأميركية – الأوروبية – الإسرائيلية، تصبّ جهودها على سورية جاعلة ممّا يحدث فيها بمثابة القضية الكونية الأولى في هذا الزمن، تماماً كما حدث إبان التحضير لشن الحرب على العراق وتدميره إنسانياً ومجتمعياً وثقافياً، ووطنياً، بالتزامن مع تدميره اقتصادياً وبيئياً وتقطيع أوصاله وإغراقه في الأهوال.
السيناريو نفسه يتكرر اليوم مع سورية. ومنطق الامبراطورية يقول الآتي: النظام مسؤول عن كل شيء. النظام لا يريد الحوار لأنه يرفض الإصلاح، لذلك يتأخر ويماطل وينفذ مجازر متنقلة وبالتالي إن صبر الدول "المتحضرة" صار في طور النفاذ ولابّد من التحرك والقيام بالواجب الإنساني والحضاري لإنقاذ شعب سورية، كما أنقذت الامبراطورية شعب العراق. وهي تكن للشعبين العاطفة نفسها. هكذا ستقع الكارثة الكبرى. هذا باختصار شديد.
الامبراطورية، وآلياتها الأوروبية والإسرائيلية، تستغل استغلالاً كاملاً مقاطعة المعارضات السورية المدنية للحوار الذي انطلق مع اللقاء التشاوري الأول ومع مشاريع الإصلاح التي أقرت. مع الأخذ في الاعتبار طبعاً وجود فريقٍ من المعارضة المدنية أقدم على المشاركة في الحوار، وشاهدناه على الشاشات الصغيرة، عند انعقاد اللقاء التشاوري، وهو يكيل الانتقادات القاسية للنظام. وهذا ما لم نعتد عليه سابقاً، وهو يؤشر الى حدوث بداية تغيّر ما على مستوى إدارة الشان العام في سورية، تغيّر يجب تشجيعه ومواكبته بدلاً من مقاطعته بحجة عدم الثقة باستعداد النظام للمضي قُدماً، وحتى النهاية، في الإصلاحات.
إن عدم المشاركة في الحوار، أيّاً كان التبرير الذي يعطى لذلك وأولّه موضوع عدم الثقة بصدقية النظام، يستخدم من جانب الأميركيين – الإسرائيليين كمعبرٍ إلزامي – ضروري لتدمير سورية، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، والمطروح الآن هو التدمير المباشر بواسطة آلة الحرب الشاملة الأطلسية تحت عنوان "إنقاذ شعب في خطر".
4 ـ إن تدمير سورية، سواء على الطريقة العراقية أو الليبية، يعني أيضاً تفجر لبنان الذي هو أصلاً فاقد للمناعة الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، ناهيك عن فقدانه لمناعة الانتماء، خصوصاً ان ما يتراوح بين ثلث إلى نصف مكوناته السكانية لا تعتبر أن إسرائيل هي العدو الفعلي للبنان، وهذه وضعية معيبة، مخجلة، لبلد هو الوحيد بعد فلسطين الذي سقطت عاصمته تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، بالإضافة إلى كون جزءٍ، بل أجزاء، من مكوناته البشرية مستعدة للالتحاق بركب "الاشقاء" الأعراب في مسيرة الصهيونية العربية التي يدون فيها الملاذ الآمن للحرية. نموذج ناجح من استنساخ العبيد. في حال حصول ذلك سوف يتمكن الإسرائيلي، بمساعدةٍ وتمويل من بعض حكومات الصهيونية العربية، المقدامة في خوض معركة الحرية والديمقراطية في سورية وليبيا، سوف يتمكن من قيادة وتوجيه الفتن المذهبية بحيث يكرّر اللبنانيون، وبنجاح متوقع سلفاً، ارتكاب المجازر والمظالم بحق بعضهم البعض. وأصوات التهديد والوعيد في هذا المجال باتت ترتفع، من دون الحد الأدنى من الحياء، على ايقاع الأزمة السورية، فتكتب فصول جديدة في حوليات العمالة والخيانة في كيانٍ للخيانة العظمى فيه مكانة مرموقة لكونها ليست أكثر من وجهة نظر ملازمة لحق الفرد في تحديد خياراته السياسية. إنه منطق نظام المعتقلات المذهبية، نظام التمييز العنصري Apartheid، وكاتب هذه السطور ممن يعانون من التمييز العنصري الذي يَفرضُ عليه مواطنيةً من الدرجة الخامسة، يعني اللامواطنية. وإذا كان الأستاذ ميشال كيلو يخشى استفحال المذهبيات في حال عدم ايجاد حلّ سريعٍ للأزمة السورية، فما بالنا بلبنان؟!.. ما بلنا بلبنان؟!..
إن تفجير لبنان، كنتيجة حتمية لأي حربٍ عدوانيةٍ أطلسية تشن على سورية سوف تكون مناسبة لحملةٍ إسرائيلية جديدة تستهدف المقاومة اللبنانية المظفرة التي تتعرض أساساً، ومنهجياً لضربات إسرائيلية من الداخل اللبناني عبر المطالبة بإلغائها، بالإضافة إلى إسهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي همها إدانة "حزب الله". من في استطاعته أن يتصور المشهد اللبناني آنذاك؟؟؟..
طبعاً، إن توجيه ضربة أطلسية لسورية، مع تداعياتها اللبنانية يذبح القضية الفلسطينية من الوريد إلى الوريد. وعبارة "يذبح" ربما تكون قليلة في هذا المجال. فإسرائيل التي تشارك، بصمتٍ، ولكن بفعاليةٍ عالية، في احتلال العراق، وتقيم فيها قواعد استخباراتية لا تقتصر مهماتها على الأراضي العراقية وإنما تستهدف أيضاً منظومة الدول المطلة على بحر قزوين حيث الجهود الروسية – الإيرانية على أشدها في التصدي للأميركيين في معركة "أوراسيا". والتمركز الأساسي لقيادة الاحتلال الإسرائيلي للعراق هو في منطقة الشمال حيث نفذت الاستخبارات الإسرائيلية وعملاؤها عمليات أمنيةٍ عدة استهدفت الوجود المسيحي في هذه المنطقة مما يسرع عملية التهجير. إن هذا الانتشار الإسرائيلي، السياسي – الأمني – الثقافي، من الداخل الفلسطيني الى الداخل اللبناني فالداخل السوري فالداخل العراقي، ناهيك عن الاحتلال الإسرائيلي للجزء الجنوبي من السودان، وتحوّل إسرائيل إلى القوة الأقوى بين دول حوض النيل.. هذا الانتشار، وما يرافقه من فوضاتٍ "خلاّقة" سوف يسهم في توفير غطاءٍ للصدمات التهجيرية التي ستوجّه إلى أبناء الضفة الغربية وحتى إلى أبناء أراضي 1948، وليس من قبيل المصادفة أن يعود الإسرائيليون إلى الحديث عن "الخيار الأردني" كوطنٍ بديل للفلسطينيين.
كل ذلك دون الحديث عن مفاعيل الحرب الأطلسية الواسعة النطاق على سورية، وتحديداً من ناحية دخول الجمهورية الإسلامية الإيرانية مباشرة في المواجهة، وهو احتمال لا يجوز إسقاطه من حساباتنا، وإن لم يكن حدوثه مؤكداً. لكنه وارد. كيف سيصبح آنذاك وضع الخليج؟.. والاقتصاد الدولي؟... والأزمات التي ستنجم عن ذلك؟... وماذا سيحدث بين إيران وإسرائيل؟... وبين إيران وتركيا؟... وأي نوعٍ من الأسلحة ستسخدم؟... وما نتائج استخدام هذه الأسلحة؟... القضية كبيرة جداً. ودور الجغرافيا – السياسية، وما يبنى عليها من جغرافيا استراتيجية – Geo strategie تؤكد بما لا يقبل الشك أن من يسقط الجغرافيا من معادلة السياسة، يخرج نفسه من التاريخ.
إن مسألة "الحوار" مسألة مركزية، فانطلاقته يجرّد الأطلسيين من "الغطاء السوري" الضروري لتدمير سورية، يا لسخريةِ القدر. هنا مسؤولية المعارضة المدنية وأولها القومية العلمانية، المفترض بها أن تحرم الأطلسيين من استغلال موقفها لتدمير سورية.
5 ـ أقلّ ما يمكن انتظاره من المعارضة المدنية، وبخاصة المعارضة القومية العلمانية، هو أن تطرح برنامجاً إصلاحياً متكاملاً تحمله إلى طاولة الحوار، وأن تذهب في الحوار إلى نهاياته وان تشكّل كتلةً إصلاحية طاغطة، وأن ترفع صوتها عالياً في رفض أي عملٍ حربي تقليدي، أو استخباراتي – أمني، يوجه لسورية، اولاً لأن هذا هو واجبها الوطني والقومي، وتالياً لكون موقفٍ من هذا النوع من شأنه أن يعزّز مسيرة الإصلاح ويسرّعها فيكون الفوز حليف سورية. سورية للسوريين.
6 ـ إن حجة التذرّع بعدم الثقة لتبرير الامتناع عن المشاركة في الحوار، كما هو مطروح ومبرمج، ليست مقبولة في ظلّ الأخطار المحدقة بسورية، ومن خلال سورية بالمنطقة عموماً، وبالتالي بالعالم.
مثلان يبرزان أمامنا ويؤكدان أن التذرّع بعدم توفر الثة هو موقف طفولي بكل معنى الكلمة.
المثل الأول هو الحوار الذي بدأ بين الزعيم السجين نلسون مانديلا والحاكم الأبيض فريدريك دو كلير بهدف إنهاء نظام التفرقة العنصرية ونقل السلطة الى الأكثرية السوداء في جنوب أفريقيا. هل كان نلسون مانديلا يثق بفردريك دو كلير قبل الدخول في حوارٍ معه؟!.. لا شيء على الإطلاق يوحي بذلك. بيد أن حوار العقل والمنطق، وعلاقات القوة، والنوايا الحسنة، بالإضافة إلى عناصر أخرى اسهمت كلّها في نجاح هذه التجربة التي كان من معجزاتها العاقلة الحفاظ على المكتسبات التي تحققت على يدِ نظام التمييز العنصري. إن ما كان يفرق بين البيض والسود في جنوب أفريقيا أوسع بكثير – كثير ممّا يفرق ما بين النظام والمعارضة في سورية. وفي سياق الحرص على ميزان الدقة في الكلام فأنني أجلُّ الرئيس بشار الأسد من اي شَبّهٍ مع الرئيس السابق لجنوب أفريقيا في زمن التمييز العنصري.
وأمّا المثل الثاني فهو الحوار الذي جرى في بولنّدا ما بين القائد العمالي ليخ ﭭاونسا، زعيم نقابات "التضامن"، ورئيس الدولة الجنرال ياروزلسكي. الثقة بين الرجلين، كما بين الحزب الشيوعي الحاكم ونقابات "التضامن"، كانت تحت الصفر. لكن ذلك لم يمنع كلاًٌ منهما من تحملّ مسؤولياته. هنا أيضاً يصح القول أن الشرخ الذي كان حاصلاً في بولندا، ما بين الحزب الحاكم من جهة، والكنيسة الكاثوليكية والمعارضة من جهة ثانية، كان أعمق بكثير من الشرخ الحاصل في سورية.


إسرائيل... وإجتياز المحظور
7 ـ أشرنا آنفاً إلى الانتشار الإسرائيلي، السياسي – الأمني – الثقافي، في داخل المنطقة من دون استثناء الداخل السوري. كان يمكن لهذا الاستثناء أن يظلّ ساري المفعول لولا مشاركة قيادة حركة الإخوان المسلمين السوريين في المؤتمر الصهيوني – الإسرائيلي الذي عُقد في باريس بدعوةٍ من الكاتب الصهيوني، الفرنسي الإسرائيلي، برنار هنري ليفي وحضور رموز اللوبي الصهيوني – الإسرائيلي في فرنسا، تحت عنوان التضامن مع الشعب السوري والمطالبة بإسقاط النظام. كما هو معروف، لقد حضر المؤتمر أحد قادة الإخوان ويدعى الأستاذ ملهم الدروبي.
إن هذه المشاركة ليست حدثاً عابراً، أوحادثة ً عرضية، أو نزوة. إنها تشكّل أمراً خطيراً أغلب الظن أنها أتت تلبية لشرطٍ وضعه الإسرائيليون مقابل..؟؟.. مقابل ماذا؟.. هذا هو السؤال الفعلي.
بكل هدوءٍ وروّية، حسبنا إعطاء تعريفٍ، ولو خاطفٍ، عن صاحب الدعوة ومنسق المؤتمر الأستاذ برنار هنري ليفي، دون حاجةٍ إلى تقديم سردٍ تفصيلي عن أصله وفصله. إن برنار هنري ليفي هو الرقيب الصهيوني الأول، والأكثر نفوذاً وبأساً، في ميدان الإعلام والنشر في فرنسا. إنه يسيطر، من فوق، على الإعلام المرئي والمسموع، وعلى الصحافة المكتوبة، اليومية والإسبوعية والشهرية والفصلية، وكذلك على دُور النشر، في مختلف المواضيع. مهمته تأمين الدعاية لإسرائيل وللحركة الصهيونية، والدفاع عن مصالحهما. إنه، في نظر العديد من الباحثين الأوروبيين الأشراف، يحتل موقع الصدارة في ميدان التزوير الإعلامي. ثمة كتابات عدة تتناوله بالنقد الشديد بسبب عمليات الهيمنة والإرهاب الفكري والتزوير، ليس آخرها (أي الكتابات) ما جاء في الكتاب الصادر هذه السنة للباحث الفرنسي الشهير باسكال بو نيفاس بعنوان: "المثقفون المزوّرون – الانتصار الإعلامي للخبراء في الكذب". إنه جزءٌ من عمليةٍ مخابراتية أميركية – إسرائيلية معقدة، تناولت الأوضاع في ليبيا وسورية. إصطحبه السناتوران الأميركيان، ماكين وليبرمان، إلى القاهرة في شباط 2011 حيث التحق بهم الليبي محمود جبريل وشخص مجهول جرى التعريف عنه كرئيس للجنة السورية لحقوق الإنسان.
المهم أن برنار هنري ليفي شخص نافذٌ جداً في المنظومة الإسرائيلية – الأطلسية، وهو الذي وضع الإعلام الفرنسي، المرئي والمسموع والمكتوب، في تصرف المعارضات السورية، وخصوصاً الفريق المسلّح الذي يقوم بعملياتٍ إرهابية في الداخل السوري. يكشف الأوراق حيث من المصلحةِ كشفها، ويخفيها حيث من المصلحة إخفاءها.
لا أحد يقدم خدماتٍ مجانية. وآخر اهتمامات منظومة برنار هنري ليفي معرفة ودعم من هو ديمقراطي، بل أين هي مصلحة إسرائيل. لكن الملفت للنظر أن هذه المسألة لا تأخذ الحيّز الذي تستحقه في السجالات والنقاشات السياسية السورية، لا بين صفوف وأجنحة المعارضات السورية ولا حتى في الاتهامات التي يكيلها إعلام النظام ضد المعارضات.
حقاً، إن مشاركة الأستاذ الدروبي، والصمت المدوي الذي يحيط بهذه القضية، لا يشكلان أكثر من رأس جبل الجليد في العلاقة الناشئة بين بعض قيادة حركة الإخوان والحركة الصهيونية وإسرائيل. وهنا نقتضي الدقة والرصانة عدم المزج ما بين قواعد الإخوان والقيادات التي نسجت هذه العلاقة المريبة بواسطة أبرز المطالبين بتوجيه ضربة عسكرية لسورية، نائب رئيس الجمهورية السابق.
ثمة عملية استخباراتية – أمنية مركبّة تجري بعيداً عن أعين الشعب السوري، وحتى بعيداً عن أعين العديد من القيادات، وتصب في اتجاه توفير الظروف والمبررات للتدخل العسكري الأطلسي.
إن من يقيم علاقات مع العدو الإسرائيلي يفقد شرف الوقوف في صفوف المعارضة أو شرف الوقوف في صفوف النظام.
فعلاً، ثمة أشياء تحدث لا يعلم بها سوى القليل القليل من الناس. وهذا ما يحتم الانضمام إلى الحوار وتحويله إلى درع يحمي سورية ويدفع عنها كرة الموت.
8 ـ إلى جانب هذه الحالة المليئة بالألغاز يحدث ما يعزز مخاوفنا. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يلاحظ أن الموضوع الإسرائيلي يتراجع في أدبيات المعارضات السورية المفترض بها أن تقدم برنامج حكمٍ بعد مشروعها التفصيلي للإصلاح. لم نسمع موقفاً عن العلاقة اللبنانية – السورية، ولا موقفاً مؤيداً وداعماً للمقاومة. إنه حقاً أمرٌ مقلق أن تبدأ في الظهور ملامحُ عصرٍ مذهبيَّ لعينٍ في سورية على غرار المذهبية المنحطة في لبنان. معه قد تسقط كل الدفاعات. من هنا وجوب اقتداء رموز المعارضة القومية العلمانية بتجربتي نلسون مانديلا وليخ ﭭاونسا. فسورية بلد الكفاءات، بل هي مقلع الكفاءات والعباقرة ولا يمكن أن تنزلق في متاهات رسمها الأستاذ ليفي. إن هذا الانفتاح المريب على الصهيونية سيكلف سورية غالياً مثلما كلف ويكلف لبنان. وهذا ما يجب التوقف عنده، وإجراء محاسبة للمسؤولين عنه، والمتسببين به، لكشف خلفياته ودرءِ الأخطار التي ستنجم عنه. فمن الواضح أن ثمة رعاية أطلسية لعصابات الإرهاب التي تقوم بعملية إشغالٍ دائم للجيش العربي السوري، من منطقةٍ إلى منطقة، بقصدِ استنزافه وإنهاكه لتسهيل اقدام إسرائيل على شن حرب ٍ تدميريةٍ خاطفة.
كل الاحتمالات واردة، والمطلوب وقفة رجال مسؤولين يتجاوزون النقيق المطلبي.

بيروت في 6-9-2011
حسن حمادة

الاثنين، ٥ أيلول ٢٠١١

حوار مع أدونيس

 
بيروت - ريتا فرج


لا يحتاج أدونيس الى بطاقة تعريف، هويته تدل على أكثر من معنى، لأنها مشاكسة، مثيرة للتساؤلات، ولأن صاحبها اختار السير عكس التيار.

ليس صدفة أن يتخطى الشاعر السجالي الفضاء العربي ويصل بهويته المتعددة الى قطف جوائز عالمية كان آخرها «جائزة غوتة». أدونيس عشق شعره حتى الثمالة، فابتكر، وحفر في لغته المليئة بالرموز. انه في قصائده كمن يسلك مسالك المتصوفين، الذين حطموا الطقوس والعادات. منذ زمن، اختار المنفى باحثاً عن حرية منشودة في العواصم الكبرى، ويبدو أن بيروت كانت له محطة ثانية بعد باريس.

انتظر كثيرون من صاحب الاطروحة الشهيرة «الثابت والمتحول» أن يدلي برأيه في زمن الجرح السوري، وتساءلوا لماذا آثر علي أحمد سعيد الصمت. وما ان نشر أدونيس مقاله الأول في صحيفة «السفير» اللبنانية «رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد الإنسان، حقوقه وحرياته، أو الهاوية» حتى أثار كعادته زوابع من الردود بين مؤيد ومعترض.

لم يحضر ربيع سورية أو «التمرد» كما يسميه أدونيس في صلب أفكاره مباشرة، إذ بدت له «الملحمة الدمشقية» أبعد من تسجيل المواقف ومناصرة الثوار. الثورة عنده تبدأ بتغيير المفاهيم العميقة وليس الاكتفاء بإسقاط النظام، وهنا نجده ينتقد بشدة «المعارضات» السورية لأنها حتى اللحظة لم توضح للرأي العام ماذا تريد؟ مؤكدا أنها تتحدث عن المجتمع المدني والتعددية والديموقراطية من دون أن تحدد موقفها من الفصل بين الديني والسياسي. رسالته الى الرئيس السوري حملت في طياتها معاني متشعبة تمحورت حول معطيين أساسيين: الحرية وحقوق الانسان. أدونيس يعلم بعين الرائي أن الارث ثقيل ويحتاج الى تفكيك، وهو شديد الاصرار على ضرورة الفصل بين الديني والسياسي، علما ان حزب البعث في تجربته التاريخية لم يغير في رأيه هذا المزج الحاد بل على العكس تماهى مع منهجه وأدواته وشروطه.

من أين البدء مع أدونيس؟ من الترات أو الاصلاح أو «الجرح» السوري أو المأزق التاريخي للديموقراطية في الصحارى العربية أو موقع المعارضة السورية وغاياتها واهدافها؟ كل هذه النقاط وغيرها تطرقت اليها «الراي» في حوار مع ادونيس هنا وقائعه:



• في مقالك «رسالة مفتوحة الى الرئيس بشار الأسد» خلصت الى أن العرب لم يعرفوا الديموقراطية على المستوى السياسي لا في تاريخهم القديم ولا في تاريخهم الحديث. ما الذي يمنع تطبيق الديموقراطية في العالم العربي؟

أولاً، مفهوم الديموقراطية حديث والدولة العربية الأولى نشأت قبل نشوء الديموقراطية، هناك تفاوت تاريخي كبير. ثانياً، نشأت الدولة العربية في اطار ايماني في اطار رسالة معينة، ولذلك تبلورت داخل نظام خاص فيها، نظرياً كان اسمه الشورى ولكن تطبيقياً لم تكن الشورى قائمة إلاّ أحياناً في اطار التشاور بين القبائل، ولم تتم على مستوى المؤسسات والأفراد كما يحصل اليوم في الاطار الديموقراطي. النقطة الثالثة أن الديموقراطية تطول الفرد بينما التركيز في الاسلام هو على الأمة، الفرد غير موجود إلاّ بوصفه عضوا في الأمة، لذلك لا يعني المفهوم الديموقراطي شيئاً كبيراً بالنسبة الى الاسلام لأن مفهوم الفرد يعني الشخصية الحرة. هذا لا يعني على الاطلاق عدم إمكان نشوء الديموقراطية في المجتمع الاسلامي العربي، لكنه يعني أنه لا بد من إزالة كل ما يعوق نشوء الفرد كفرد لا ينتمي الى دين ولا الى طائفة بل الى المجتمع. ولكن السؤال هل نقدر على ذلك؟ هذا يحتاج الى نضال طويل، نحن العرب دائماً مستعجلون على كل شيء وليس لدينا الصبر على النضال ولا على ألم النضال، لذلك نسمي الأشياء كما نشاء. نحن نستسهل الأسماء والمسميات، شخص يكتب مقالاً فلسفياً نسميه فوراً فيلسوفاً، لا نحترم المفهومات والتسميات. الخلاصة أن الدول العربية الاسلامية لم تعرف الديموقراطية .

• أشرت الى ضرورة الفصل بين الديني والسياسي. بعد دراستك للتراث هل الإسلام قادر على إحداث القطيعة بين الإلهي والدنيوي؟

اليوم يمكن الحديث عن إسلامات عدة، أي نظريات عدة عن الإسلام. رغم سيطرة الإسلام الرسمي السني، لم يعد هناك مفهوم واحد يتحدث عن إسلام واحد والبقية كفار، صار هناك اسلام سني واسلام متنور ومتعدد، ومن المستحيل ايجاد مرجعية مطلقة لهذا الاسلام المتعدد، حتى لو كان الأزهر، ورغم أن الأزهر له مرجعيته، فان بعض المسلمين يرفضونه. إذا استطاع المسلمون التعرف على التحولات الجارية في العالم الحديث، وهذه التحولات أدت الى انقلابات هائلة، يمكنهم تحديث كل شيء في الفن والسياسة والتنمية، وبالتالي يمكنهم أن يصبحوا مواطنين ينتمون الى هذا العالم، أكثر مما هم مواطنون ينتمون الى القرن الاول هجري وفي اسوأ تقدير هم مواطنون ايمانياً في القرن العشرين. هذا الايمان يطبقه المسلم في موازاة استخدامه لوسائل الحياة الحديثة، وهذا ما نلحظه في مجتمعات عربية عديدة من بينها مدينة دبي، فهي تأخذ من الغرب كل ادواته وإن أبقت وضعها الايماني القديم، فيما المطلوب تعزيز الانتماءات الى المجتمع والى السياقات الثقافية والحياتية في العالم.

• ما تقدمت به يحيلنا على نظرية ولي نصر التي تقول ان الطبقة الوسطى في العالم العربي المفتوحة بدورها على اقتصاد السوق يمكنها التخفيف من حدة الإسلام المتشدد، وقد اتخذ نصر من امارة دبي نموذجا لتوضيح نظريته. ما رأيك؟

في الواقع أنا لا أعول كثيراً على مفهوم الطبقات في دراسة المجتمعات الإسلامية، أي طبقة وسطى في العالم العربي يمكن أن تكون متسامحة ومنفتحة ويمكن أن تتقبل أشياء، وتستفيد من مختلف انجازات الحضارة الغربية. التمسك بالايمان الديني قد لا يختلف على مستوى الدرجة بين طبقة وأخرى، أما في النوع بمعنى العلاقة مع الاسلام، فليس هناك أي تحول ملحوظ، العامل قد يكون أكثر ايماناً بالدين من رب العمل او العكس تماماً. يمكن المسلمون أن يخلقوا مجتمعاً انسانياً قائماً على الفصل الكامل بين الدين والدولة، وفي رأيي أن استخدام الدين سياسياً يمثل ذروة العنف، وهذا العنف ليس ضد الآخر غير المسلم فقط بل ايضاً ضد المسلمين أنفسهم، لأن هناك مسلمين لم يعودوا مؤمنين وهناك مسلمون يرفضون فكرة الايمان الديني. عندما يحصل الفصل بين الدين والدولة على كل المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية بحيث يصبح الفرد حراً ومرتبطاً بالمجتمع لا بالدين، عندها يمكن الحديث عن نشوء الديموقراطية والدولة الحديثة. العبارات المطاطة اليوم في العالم العربي تتحدث عن الدولة المدنية مثل الجمعيات الخيرية، الدولة المدنية تنص على فصل الدين عن الدولة. كان لي مأخذ على قياديي الانتفاضات العربية الحديثة، هو أننا لم نقرأ بياناً واحداً يطالب بفصل الدين عن الدولة أو بإعطاء المرأة حقوقها الكاملة، وحتى الثوار أنفسهم يمارسون لعبة دينية، لأن الهدف كما يبدو الوصول الى السلطة وليس بناء مجتمع جديد.

• في مقالك تحدثت عن الآخر الديني وقلت ان التاريخ الاسلامي لم يدشن للتثاقف مع الآخر. هل النص القرآني يتقدم على تاريخ علاقة المسلمين مع سواهم من غير المسلمين؟

النصوص الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية او بوذية تقول الشيء ونقيضه، ثمة تسامح وتعصب، إنكار الآخر واحترام الآخر، خصوصاً أن النصوص الدينية كانت موجودة في القراءات الفقهية المهيمنة، النص الديني في الاسلام اليوم هو للفقهاء، وكل واحد منهم يفسره في طريقة مختلفة، وبالتالي لا يمكن حل مشكلة علاقة المسلمين مع الآخر بالعودة الى النص، بالعكس قد تتعقد المشكلات بسبب هذه الظاهرة باعتبار الدين مؤسسة دينية. لست ضد الايمان الفردي، ان انتقدته فبوصفه له علاقة بحريتي الشخصية كزواجي وعائلتي وفكري، على هذا الاساس انتقده. اذا درسنا تاريخ العلوم عند العرب لن نجد أي فكرة جديدة في كل الميادين، بمعنى أن هناك جلبا للنص ولذلك لم يكن هناك تقدم، الفقه هو الانتاج الديني الوحيد، بينما الفلسفة ليست انتاج الاسلام بالمعنى الديني، الدليل على ذلك أن أعظم ثورة في العلاقة مع الآخر حدثت عبر الفلسفة، الدين من المسلمين والعقل من اليونان، وصار العقل اليوناني كآخر، ليس كمسألة حوار فقط، بل أيضاً كمسألة تكوينية، العقل جزء مكمل للفكر العربي الإسلامي، لذلك أول من اهتم بالآخر هم المسلمون وليس الاسلام الديني الفقهي. العقل الاسلامي قبل أرسطو وأفلاطون بوصفهما غير مسلمين وتفاعل معهما وبنى فكره عليهما. الآخر عضوي في الفكر الاسلامي منذ القديم، ولكن اليوم يختلف الوضع بسبب القراءات السياسية للدين وبسبب الغلبة الايديولوجية. مسؤولية الثوار اليوم ألا يهادنوا على الاطلاق في محاربة أي مصادرة ايديولوجية لحركتهم.

• أجريت مقارنة بين الرؤية السلفية التي تحتكر النطق باسم المقدس وحزب البعث الذي قاد المجتمع بذهنية اقصائية واحتكر السلطة والقرار. هل تجربة حزب البعث في سورية تعكس أزمة الأحزاب العربية؟

في معنى ما تعكس فشل التجربة الحزبية في العالم العربي، مع فارق أن حزب البعث وصل الى السلطة، باستثناء الحزب الناصري الذي كان تجمعاً شعبياً. حزب البعث يعكس أزمة المذاهب والعقائد وقد فشل في شكل كامل على جميع المستويات، وأسباب ذلك أن الاحزاب العربية ومن بينها حزب البعث اعتمدت على منهجية الايديولوجية الدينية ولم تعمل على الفصل الحقيقي بين الدين والدولة وهذا هو الخطأ المميت.

• رسمت خريطة طريق تاريخية لمأزق الديموقراطية في العالم العربي ومن ضمنه سورية. واليوم دخلت سورية في مرحلة نوعية منذ بداية الحركة الاحتجاجية. هل ترى ان الحراك الذي يقوده شباب سورية قادر على تخطي الارث السلطاني وبالتالي بناء دولة حديثة؟

رغم إيماني الكامل بطاقة الشباب وأن المستقبل لهم فان هؤلاء الشباب لم يبرهنوا حتى الآن أنهم يعرفون الجانب الآخر من العملية الثورية. الجانب الاول من العملية الثورية في كل تاريخ الثورات هو إسقاط النظام، ليس النظام ككل بل رؤوس النظام، هذا أمر سهل، هناك أناس سقطوا لكن أسس النظام بقيت. الشباب اليوم انتصروا في الجانب الاول، في حين أن ممارستهم وتصريحاتهم وكتاباتهم تؤكد أنهم غير مدركين للجانب الآخر من الثورة الحقيقية، الذي يجب أن يتأسس على حرية الفرد ولا دينية المجتمع. المجتمع لا دين له، دين المجتمع هو حقوق الانسان وحرياته وليس الكنيسة أو الخلوة او الجامع.

• منذ بدء الانتفاضات العربية ظهرت نظريتان، الأولى: تقول إن ما يحدث مشروع تفكيك وهذه النظرية يروج لها النظام في سورية والثانية: تقول إن العرب بدأوا بالتدرج نحو الديموقراطية. ما رأيك؟

أنا لست ضد أي تفسير أو تأويل من الجهتين، ولكن يجب أن نتوقف نحن العرب

عن التنظير الايديولوجي وعلينا ان نرى الواقع كما هو، هناك عناصر مضمرة لم نتكلم عليها ويتمثل جزء منها في الخطاب الطائفي الذي يعتمد عليه بعض الثوار. في الواقع هناك عنف يمارس ضد الاقباط في مصر، وهذا العنف تمارسه الثورة، وهذا الأمر نجده في سورية أيضاً، فلم يتم إعطاء المسيحيين دورهم التاريخي والاجتماعي في التحركات الجارية. الى ذلك، هناك غياب كامل للمرأة في الحركات الاحتجاجية، هذه كلها مؤشرات الى عدم وضوح ما يسمى الحراك الثوري، فهو ما زال ضائعاً. على مستوى سورية أريد أن أسأل من هي المعارضة؟ المعارضة الحقيقية التي لها معنى في دمشق هي المعارضة التي يقودها ميشال كيلو وفايز سارة.

• على مستوى الجمهور أين المسيحيون في الحركة الاحتجاجية في سورية؟

هم غير موجودين، ولا يعود ذلك الى تخويفهم من المشاركة الفاعلة في التظاهرات، السبب في رأيي يعود الى ان المعارضة في الداخل متسرعة ومشتتة، والمطلوب منها أن تضع وثيقة تحدد فيها ماذا تريد؟ هناك معارضات عدة، ولكن لا يعني ذلك أنني انكر ما انجزته.

• في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها سورية ما الأهم؟

أن تتأسس معارضة حقيقية.

• أليس الأهم أن الشعب السوري كسر هذا الخوف؟

كسر هذا الخوف مهم جداً، ولكن يجب أن يتبعه فتح طريق، وهذا الطريق لا ينتهي بكسر الخوف، كسر الخوف بداية. أريد أن أسأل الى أين نحن ذاهبون؟ ماذا نعمل بالاقتصاد، بالجامعات، بالمؤسسات المعرفية والعلمية. هذا لا يعني أنني ضد سقوط النظام، النظام يجب أن يسقط، لكن المعارضة مفككة.

• ألاّ يتحمل النظام جزءاً كبيراً من تفكيك المعارضة السورية؟

بالتأكيد أنا لا أنفي ذلك لكن اسقاط النظام يتم باستعمال الادوات نفسها، والمعارضة تُسقط النظام بادواته، بمعنى أن المعارضة تفتقد السمات المشتركة في ما بينها حتى في القضايا الأساسية التي خانها حزب البعث، وأقصد فصل الدين عن الدولة وقضايا المرأة والتركيز على الفرد وليس الأمة، كل ذلك غائب عن جدول المعارضة. هناك عنصرية كبيرة موجودة في سورية لم تلتفت اليها المعارضة، لماذا الكردي أو الآشوري ليس له حق في منصب رئيس الجمهورية؟ على المعارضة أن تتحدث عن هذه المسائل وغيرها، والخطوة الأولى تبدأ بإلغاء المادة التي تشير الى دين الدولة في الدستور، المعارضة تكتفي بإسقاط رأس النظام وهذه المعارضة لا تعني لي شيئاً لأنها لم تأخذ في الاعتبار المسائل التي أشرت اليها.

• انتقدك كثيرون لأنك في رسالتك اعتمدت على التخويف من المشروع الاسلامي السلفي كما يفعل النظام. ما ردك على ذلك؟ وهل بنية المجتمع السوري في إمكانها مجاراة مشروع السلفيين؟

بنية المجتمع السوري بنية دينية في العمق وعلى جميع المستويات، قلت واكرر حتى لا يعتقد البعض انني أدافع عن النظام، هذا النظام يجب أن يسقط، لكن القوة التي ستحل محله هي القوة الأكثر تماسكاً، والاكثر حضوراً في الاوساط الشعبية، وهذه القوة هي قوة متدينة سواء في صفوف الاخوان المسلمين أو سواهم من التيارات الاسلامية، وليس هناك قوة متماسكة تقدمية أو ليبرالية أو يسارية تستطيع أن تُمسك بنظام جديد. أريد أن أكرر ان أي مجتمع عربي في الاطار التاريخي والحالي لا اثق به كثيراً ولا يعني لي شيئاً إذا لم يكن قائماً على فصل الدين عن الدولة.

• طالبت الرئيس بشار الأسد بفك المماهاة بين سورية وحزب البعث. هل الأسد قادر على القيام بهذه الخطوة التاريخية؟

حاولت توريطه وحاولت أن اشق حزب البعث، ويبدو أنه انشق. داخل النظام هناك أناس متطرفون يريدون الكل أو لا شيء وهؤلاء ذاهبون نحو الهاوية. الاسد قادر على إجراء الاصلاح وقادر على تفكيك هذه المماهاة وأقل شيء يمكن أن يفعله الاستقالة من منصبه.

• ما تقدمت به يؤكد وجهة النظر التي تقول ان ماهر الأسد هو السلطة. هل تؤيد هذا الرأي؟

بصرف النظر عن ذلك، على الرئيس الأسد أن يفعل شيئاً، وإذا تصورت نفسي مكانه أترك السلطة. حزب البعث جزء من الشعب ويجب أن يخضع لارادة الشعب.

• أحمد بيضون رد على رسالتك قائلاً ما معناه أنك لم تحدد موقفك من الحركة الاحتجاجية في سورية ولم تذكر حتى أي مدينة أو بلدة سورية انطلقت منها التظاهرات. ما ردك؟

لا أريد أن اناقش أحدا لم يقرأ.

• في رسالتك الى المعارضة افتتحت المقال بإشكالية تاريخية «لماذا لم ننجح نحن العرب حتى اليوم في بناء مجتمع مدني؟» ألا يتحمل السلطان السياسي المسؤولية الكبرى في هذا المجال؟

- الخطوة الأولى نحو المجتمع المدني والدولة الحديثة، التأسيس للديموقراطية والحرية. السلطان السياسي يتحمل جزءا من مسؤولية تعطيل الديموقراطية، ولكن لابد من توافر البيئات الحاضنة.

• قلت في رسالتك الى المعارضة إن شروط التغيير السياسي والمجتمعي يتأسس جزء منها على معرفة التاريخ؟ هل يحتاج العرب الى إجراء مراجعة نقدية لتاريخهم السياسي أم أن المطلوب اعادة قراءة التراث؟

عالجت هذه المسألة في كتابي «الثابت والمتحول» أوائل السبعينات، المطلوب اعادة قراءة هذا التراث وليس القطع معه، ليس من الممكن القطع مع لغة تمتد الى 1500 عام من الكلام، القطع يكون مع بعض المستويات ومع بعض المفاهيم ومع بعض النظريات والمفكرين. الفكر الخلاّق نشأ في نقاش مع الدين وكان ضد الدين من فلاسفة وعلماء رياضيات وشعراء، حتى المتصوفين الذين يتهمهم البعض بانهم متدينون أحدثوا أعظم ثورة في تاريخ الفكر الاسلامي بتغييرهم لمفهوم الله، مفهوم الله في القرآن مفهوم تجريدي، الله صديق الانسان، الله موجود في الانسان، وهذا التيار كان ضد الدين بالمعنى التقليدي. المشكلة أن المؤسسة الفقهية التشريعية تجعل من الكائن الحي كمن يعيش في قفص. هذا ما يجب تغييره. يمكن أن نأتي برئيس ألطف ولكن هل في إمكاننا بناء مجتمع جديد، هذا ما اطالب به الثوار.

• الفئة التي تمثل الحركة الاحتجاجية في سورية غالبيتها من الارياف التي يعاني سكانها غياب التنمية. لماذا لا يتم تظهير الجانب الاجتماعي للثورة في سورية؟ وأي دور للتنمية في التأسيس للديموقراطية؟

ـ النظريات كثيرة لكن دائماً أهم شيء هي التجربة الحية. سألت مرة يابانيا عن علاقة بلاده بأميركا، فقال لي: نحن ثأرنا تاريخياً من أميركا ومن يخيفنا هم الكوريون لأنهم يعملون أكثر منا.

• أشرت في المقال الثاني الى أن النظام ما زال ينظر الى المسيحيين من منظار أهل الذمة بسبب حرمانهم مراكز القرار. هل يمكن أن توضح لنا الفكرة في شكل أوسع؟

كل الأحزاب الطليعية في العالم العربي تحدثت عن أهمية اشراك الآخر في القرار ولكن لم يحدث شيء، وفي المقابل كل الدساتير العربية تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وهذا الاقرار يعني عدم الاعتراف بالآخر وتحجيمه وممارسة العنف ضده. المطلوب اليوم من المعارضة السورية كما كررت أكثر من مرة تحديد موقفها من مسألة فصل الدين عن الدولة، وحين يتحقق ذلك كل شيء يُسن بالقانون، ولا يبقى أي مانع أمام الاشوري أو الكردي من أن يكون رئيساً للجمهورية في سورية. المسألة الدينية في سورية مركبة على عروبة عنصرية، يريدون تعريب البشر، ولا يريدون الاعتراف بالهويات الأخرى. ذات مرة سألت صديقا من مفكري حزب البعث الكبار: يا أستاذ لماذا ترفعون شعار الشعب السوري العربي، ألا يعني ذلك أنكم تضعون كل الجماعات في سورية داخل إناء واحد؟.

• هل يمكن القول إن «انفجار» عصر الجماهير بدأ في العالم العربي والى أي مدى يمكن أن نقارنه بالثورة الفرنسية؟

لا يمكن مقارنته بالثورة الفرنسية. ما يحدث اليوم على أهميته التاريخية يحتاج الى نضال طويل والى ضرورة توضيح الاهداف والغايات، وحتى الآن كل الافكار التي يطلقها الثوار في العالم العربي غير واضحة.

• ماذا يمكن أن تطلق إذاً على هذا الحراك الشعبي؟

يمكن ان نطلق عليه انتفاضة أو تمرداً، الثورة تعني تغيير بنية المجتمع من الداخل وما يحدث مهم جداً ويجب دعمه.

• أيهما اجدى، دعم ما سمته الانتفاضة الاصلاح الديني أم الانفتاح على العولمة الاقتصادية؟

طبعاً الانفتاح الاقتصادي، لا يوجد اصلاح ديني، الدين إما أن يؤخذ ككل وإما أن يقصى ككل، كيف يمكن اصلاح مفهوم النبوة وكيف يمكن أن نصلح القرآن؟.

• لكن الاصلاح ممكن عبر القراءة الجديدة للنص القرآني؟

لكن القراءة الجديدة يجب الا تكون قراءة الأكثرية، وإذا بقيت القراءة أسيرة الوسط المؤسسي سواء كان أزهريا أو سعوديا، ستبقى قراءة الاكثرية وليس الاقلية. يجب إبعاد الدين كلياً عن قضايا الاصلاح، ويجب احترامه ووضعه في اطاره الفردي، الدين حق من حقوق الفرد واللا تدين هو ايضاً حق من حقوق الفرد.

قراءة في الأزمة السورية

كنا حذرنا في مقالات عديدة آخرها منذ بضعة ايام من ان المخططات الدولية التي تسوق لتسوية الازمة الحالية في الشام تؤسس لدولة تعددية طوائفية بغلاف ديمقراطي كما هو الوضع في لبنان والعراق. وان الصراع الغرائزي القائم بين داعمي النظام بحجة محاربة المؤامرة الخارجية والدفاع عن السيادة والأمن، وبين المعارضين المطالبين بالحرية وباسقاط النظام بأي ثمن ودون تهيئة البديل، وتغييب لغة العقل والتخطيط الاستراتيجي للمرحلة القادمة، ستؤدي حكماً الى نجاح المخططات الأجنيبة في استغلال هذا الصدام الاعمى والاصم. كما دعونا الى تغليب لغة العقل والتخطيط لانتقال تدريجي نحو الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة عبر اصلاحات وتغييرات جذرية وعميقة توفر على البلاد اراقة المزيد من الدماء العزيزة، حتى لو تنازلت المعارضة وقبلت بمرحلة انتقالية برئاسة الرئيس الحالي تنفذ هذه الاصلاحات والتغييرات من ضمن خطة زمنية محددة، وحتى لو تنازل النظام الحاكم وقبل بتنفيذ هذه الاصلاحات والتغييرات رغم انها تمس في العمق مصالح عدد من المتنفذين الحاليين واتباعهم. غير ان المغالين في التوتر الغرائزي في الطرفين هاجموا طرحنا وكل طرف صنفنا اننا نتعاطف مع خصمه!




 واليوم نقرأ في الصحافة المحلية التحليلات والمعلومات التالية:



 1- أدلى رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجيّة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بتصريح حول سوريا "الشقيقة"، مشدّدا على أن "استقرارها مهم في العالم العربي"، داعيا إلى عدم نسيان خصوصيتها وموقعها وحدودها مع إسرائيل، ومؤكدا "أهميّة التزام سوريا جدولا زمنيّا للإصلاحات، ووقف حمّام الدم من أي فريق كان"



 2- اعطى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حديثاً الى تلفزيون المنار يدعو فيه "الشعب والحكومة السوريّة إلى الجلوس بعضهم مع بعض للتوصّل إلى تفاهم في شأن الإصلاحات، وعدم السماح للغرب بالتدخل"...



 3- أشار الرئيس بشار الأسد إلى أنّ "الدولة ماضية في مسيرة الإصلاح في خطوات ثابتة"، مشيرا إلى "أن تجاوز الأحداث في حاجة إلى تعاون الجميع، وإلى الكثير من العقل والحكمة، بدلا من الأخذ بالعواطف والانفعالات".



 4- أعرب وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك، عن قناعة تكوّنت لديه، أنّ الاسد قد حدّد مصيره بنفسه. وقال: "إنّ الحديث عن إمكان إجراء تسوية مع الرئيس السوري، قد ولّى بالفعل، "لأنّ الاسد أنهى وظيفته، حتى ولو بقي ستة أشهر أخرى، إذ سيكون هناك شيء جديد، نحن لا نعرف ما هو، فتسارع سقوطه سيحدث أيضا نتيجة مواصلة استخدام للقوّة ونتيجة الضغط الذي يتراكم عليه"، لافتا إلى أنّ "لا أحد سيرسل جيشه، إلّا أنّ الضغط الدولي، وفي شكل رئيسي الضغط التركي والسعودي والبحريني ودول عربية أخرى، كلّها تضعف بشّار الأسد كثيراً".



 5- تكشف بعض المصادر ان "تسوية" بدأت تُركب للوضع السوري بين واشنطن وبغداد وطهران وقطر وانقرة، لا تصب في مصلحة الاسد، ولكنها تأخذ في الاعتبار مجموعة سيناريوهات لما يمكن ان يكون عليه المستقبل السوري، منها بقاء النظام في صيغته الحالية مع تنفيذ الاصلاحات عبر حكومة تشارك فيها المعارضة ولكن في ظل رئيس لسوريا غير الاسد.

وذكرت المصادر في هذا السياق "ان الدول المعنية بالشأن السوري استبعدت كل السيناريوهات التي لحظت بقاء الاسد رئيسا لسوريا من دون صلاحيات على غرار ما هو قائم في العراق. وأكدت ان بعض السيناريوهات المتداولة يلحظ تنفيذ إتفاق "طائف سوري" لحل الازمة السورية، مستنسخ عن "اتفاق الطائف" اللبناني، او عن النموذج العراقي، بحيث يكون رئيس الجمهورية من الطائفة العلوية بلا صلاحيات تنفيذية مباشرة، وتناط السلطة التنفيذية بمجلس وزراء تتولى رئاسته شخصية سياسية سنية.

 

  6- كشفت مصادر أخرى ان الدوحة تعمل على تسويق اقتراح لتسوية الازمة السورية هو في الواقع طبعة منقحة عن الاقتراح التركي الذي دعا الاسد الى تشكيل حكومة جديدة تشارك فيها المعارضة وتدير مرحلة انتقالية يتم خلالها اجراء انتخابات نيابية اولا ورئاسية لاحقا. ولكن هذه المبادرة القطرية اصطدمت بالرفض الايراني لأنها تلحظ طلبا من الاسد ان يتنحى، الامر الذي أخّر زيارة امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لطهران الى أمس بعدما كانت منتظرة مطلع الاسبوع الجاري.


 اذاً المساعي العربية والاقليمية والدولية الحالية تسعى الى تسوية طوائفية على غرار النموذج اللبناني والعراقي، والخلاف هو على الرئيس العلوي المخلوع الصلاحيات، هل يبقى الرئيس الاسد أم يستبدل!





 وهذا ما حذرنا منه ودعونا المعارضة والموالاة الى انتاج حل سوري لا عربي ولا اقليمي ولا دولي، يسعى الى المصالحة الوطنية والاصلاحات السريعة العميقة والجذرية لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كبديل عن الثنائية المطروحة حالياً: اما الحرب الاهلية المدمرة، واما السير بالتعددية الطوائفية المطروحة من الغرب، لتحويل كل محيط فلسطين الى برميل بارود معطل من الداخل بالاختلافات الطوائفية على الحصص والنفوذ وتقاسم مقدرات البلاد، وجاهز للانفجار عندما تدعو حاجة الخارج واسرائيل.



 هل يعي الغرائزيون من اتباع النظام وحلفائه الذين يدعون محاربة المؤامرة الخارجية انهم ينفذون اجندتها عبر صم آذانهم عن مطالب الشعب واصرارهم على وجود مؤامرة خارجية تستهذف امن البلاد، بينما هم يدافعون عن مكتسبات النظام الاقلوي الامني لا اكثر، ويسيرون بشكل اعمى واصم باتجاه تحقيق خطة الغرب بتحويل النظام الى نظام تعددي طوائفي بغلاف ديمقراطي، لا يخدم سوى الغرب واسرائيل، سواء بقي الرئيس الاسد ام لا؟



 وهل يعلم غلاة المعارضة الخارجية والمتطرفين في المعارضة الداخلية، ان اشتراكهم في السلطة في دولة التعددية الطوائفية، مع انه يرضي طموحاتهم، ويضفي شكلاً من اشكال الديمقراطية المزيفة على الحكم، انما هو خسارة لمطلب تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تستطيع النهوض بالبلاد، وغرق في مستنقعات الاصطراعات الداخلية البغيضة لتقاسم مقدرات البلاد بين ممثلي الطوائف والطوائفيين؟ ولبنان والعراق نموذجين قائمين على الديمقراضية والازدهار الموعودين من الغرب!



 على المعارضة الوطنية في الداخل، وخاصة العلمانية منها، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي والاحزاب الشيوعية واليسارية والناصرية، والشخصيات العلمانية، ان لا تنغش في هذه المرحلة بشبق السلطة ولذة اسقاط النظام الحالي، وان تتجنب السير في ركاب المشروع الاميركي الذي يعد البلاد بالديمقراطية والازدهار بينما النتيجة الفعلية هي اعادة تشكيل السلطة بطريقة تشل البلاد بتوازنات ومحاصصات طوائفية واثنية لا تنتهي.



 وعلى الرئيس الاسد وفريقه ان لا يكرروا الخطأ الذي ارتكبه النظام الشامي في لبنان يوم قبل بالسير بالطائف، لا بل نفنن على مدى خمسة عشر عاماً باللعب على التناقضات الطوائفية والمناطقية اللبنانية، واحتضن الطائفيين وضرب واهمل وشرد الوطنيين العلمانيين، إلا الازلام منهم، واسهم في تعطيل نهوض البلاد ووحدتها الحقيقية وفي امتصاص وهدر قدراتها وامكاناتها، الى ان اتى وقت انقلب السحر على الساحر وتحول الحلفاء والاصدقاء و"الشركاء" الطوائفيين الى اخصام ما تركوا موجة طائفية او تحريضية او دولية الا وركبوها.



 ان المخرج "السوري" الوحيد من الأزمة، قبل وصول المبادرات العربية والدولية هو بالمبادرة الى سلة اصلاحات وتغييرات جذرية في القوانين تتوج بتعديلات دستورية سريعة باتجاه ترسيخ الدولة المدنية الحديثة، وتوسيع هامش الحريات والحياة السياسية الحقيقية، وتؤسس لمصالحة وطنية وانتخابات تشريعية ورئاسية قريبة على اساس القوانين الجديدة. وهذا يتطلب تنازلات عقلانية من طرفي النزاع، والا فـ"الطائف السوري" آتٍ، وعندها يصبح الامل ان لا يأتي على بحر من الدماء والدموع كما في لبنان، او تحت الحصار والاحتلال كما في العراق!

ميلاد السبعلي

السبت، ٣ أيلول ٢٠١١

إشكالية الدولة

بين الدولة والحكم والنظام ، ثمة اشكالية كبرى في المصطلح لدى العرب ، تعكس اشكالية كبرى في الواقع السياسي . وبين الدولة والدين والعرق ، ثمة اشكالية اكبر لاتعكس فقط اشكالية في الواقع الحالي بل تشكل تهديدا وجوديا خطيرا للمستقبل .
الدولة كيان مقدس لا يجوز المس به في اي مجتمع من مجتمعات العالم ، اما الحكومة او الحكم فهيكل مؤقت من اولويات الواجب الديمقراطي مراقبته ، ومحاسبته سلبا او ايجابا بحسب ادائه ، والتعرض له لاسقاطه في حال كانت نتيجة الحساب سلبية .

هذا من جهة ، اما من الجهة الثانية فان الانتماء للدولة لا يجوز ان يرتبط باي انتماء اخر ، ديني او عرقي او اتني ، علما بانه من واجب حكومة الدولة تامين حرية المعتقد وممارسته ، وحرية الخصوصيات الثقافية التي من شانها اغناء الثقافة الوطنية لا تفتيتها .

نخرج من النظرية الى الواقع ، لنرى ان المعارضات العربية ، شانها شان الحكومات العربية قد وقعت منذ عقود في خلط خطير بين الدولة والحكم ، لاننا لم نتجاوز عصر لويس الرابع عشر و " انا الدولة والدولة انا " ، ولذلك كان الحاكم يقيم تماهيا بين مصالحه وارادته والولاء له وبين مصالح الدولة وارادتها والولاء لها ، فتكون النتيجة ان الشعوب ضحية الاقصاء تجد نفسها بين ثلاثة خيارات : اما الالتحاق بركب مصالح النظام الحاكم والتحول الى متعهدي عقود باطن لمصالحه ، واما الانسحاب والانكفاء الى السلبية والتخلي ، واما المواجهة مع الحاكم ونظامه : غير ان اخطر ما في المسالة هنا ان هذه المواجهة كانت تنقسم الى خطين : 
خط يعرف ان من حقه اسقاط الحكم ونظامه ، والحفاظ على الدولة ومنجزاتها وكيانها ووحدتها ومصالحها ، وخط اخر يندفع الى رمي الطفل مع ماء الحمام كما يقول المثل الفرنسي ، فاذا تدمير الدولة وتحطيمها وسيلة الانتقام من الحاكم او وسيلة التكسب لدى اعداء الوطن . ولم يكن غريبا ان يكون الخط الاول هو خط اكثر الناس تضحية وتحملا للضربات من الطرفين .

هذا الواقع ينطبق اليوم على ما يسمى الثورات العربية ، ونحن لا نخجل من القول انها ليست ثورات ، وليست ربيعا ، انها عواصف حراك شعبي قوي ، قد ينجح المخلصون فيها في تحويلها الى ثورات ، وقد ينجح المندسون والجهلة والعملاء في توجيهها وجهة الخراب والدمار ليس الا . عواصف قد تسبق ربيعا ، وقد تسبق دمارا اعصاريا لا نخرج منه لسنوات بل لعقود .
مسؤولية من ؟ يقول الجدليون . لا شك انها مسؤولية الانظمة التي قمعت وافقرت والاهم منعت الجدل الفكري والسياسي الذي يؤدي الى تشكيل الاحزاب السياسية القادرة على ان تقود الشعوب ، وتقدم البديل في حال اسقط الحكم . ولكنها ايضا مسؤولية هذه الاحزاب نفسها ، ومسؤولية من يدعون انهم مثقفون ومن يحلو لهم اسم " الناشطون " .

والحال هذه نقف امام البديل الجاهز : الفوضى ، او الحركات الاسلامية التي تبدو الاقوى على الساحة الشعبية . وهنا لا بد من مواجهة صريحة . فلا جدال انه من حق الحركات الاسلامية ان تمارس دورها السياسي بحرية ، شانها شان الحزب الديمقراطي المسيحي في المانيا او في ايطاليا . ولكنه ليس من حقها ان تصادر الاخرين او تلغيهم . والاهم من ذلك كله انه لا يجوز ابدا ان ترك الامور تصل الى تبني خيار الدولة الدينية ، او تحديد الانتماء للدولة بالانتماء الى الدين ، اذ يكفينا لذلك ان ننظر الى استحقاق سبتمبر القادم بشان الدولة الفلسطينية ، لنرى انه يدور ، كله ، حول الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل ، وما من امر يخدم هذا المطلب اليهودي العنصري ، الا نشوء دول اسلامية ( او مسيحية ) في منطقة الشرق الاوسط المحيطة باسرائيل .
امر يبدو وكانه يشغل بال بعض المفكرين الاوروبيين التقدميين اكثر مما يشغل بالنا نحن . وقد راينا بعضهم يتساءل بقلق عن التحول في تصريحات الان جوبيه وموراتينوس ( والشركاء الاوروبيين ) حول مسالة يهودية الدولة . ففي 18 تموز صرح جوبيه ان مسالة يهودية الدولة يمكن ان تثير مشاكل لان في اسرائيل يهودا وعربا – بحسب تعبيره – واضاف ان لدى فرنسا والاورببين اجمالا رؤية علمانية للدولة لا تعرف الانتماء لها بالانتماء الى دين . غير ان حملة عنيفة شنتها المؤسسات اليهودية والدوائر المؤيدة لاسرائيل من مثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ( كريف ) ، جعلته يتراجع في تصريح مشترك مع موراتينوس بالقول ان لديهم رؤية واضحة للحل دولتين ، كل منهما دولة – امة : اسرائيل امة الشعب اليهودي ، وفلسطين امة الشعب الفلسطيني . 

تراجع لا مجال للدخول في تحليله هنا ولكنه لا يحتاج الى تحليل ليفسر لنا نفاق هذا الغرب ومنطق ان ما ينطبق على الامبراطورية لا ينطبق على البرابرة . فهناك رؤية علمانية ترسي مفهوم المواطنة وتصون الدولة – الامة ، التي يتم تعريفها على اساس اجتماعي حضاري ، وهنا رؤية دولة – امة على اساس ديني عنصري ، ودعم للحركات الدينية ، على اختلافها ، والحركات العنصرية العرقية والاتنية على اختلافها ، على حساب القوميين والعلمانيين . كما ليفسر لنا دعما فرنسيا اوروبيا لحركات معينة ولقوى معينة في الحراك الشعبي العربي ، يخطىء السذج عندما يظنون انه دعم
للتحولات الديمقراطية ولحقوق الانسان .

(حياة الحويك)