السبت، ٣ أيلول ٢٠١١

إشكالية الدولة

بين الدولة والحكم والنظام ، ثمة اشكالية كبرى في المصطلح لدى العرب ، تعكس اشكالية كبرى في الواقع السياسي . وبين الدولة والدين والعرق ، ثمة اشكالية اكبر لاتعكس فقط اشكالية في الواقع الحالي بل تشكل تهديدا وجوديا خطيرا للمستقبل .
الدولة كيان مقدس لا يجوز المس به في اي مجتمع من مجتمعات العالم ، اما الحكومة او الحكم فهيكل مؤقت من اولويات الواجب الديمقراطي مراقبته ، ومحاسبته سلبا او ايجابا بحسب ادائه ، والتعرض له لاسقاطه في حال كانت نتيجة الحساب سلبية .

هذا من جهة ، اما من الجهة الثانية فان الانتماء للدولة لا يجوز ان يرتبط باي انتماء اخر ، ديني او عرقي او اتني ، علما بانه من واجب حكومة الدولة تامين حرية المعتقد وممارسته ، وحرية الخصوصيات الثقافية التي من شانها اغناء الثقافة الوطنية لا تفتيتها .

نخرج من النظرية الى الواقع ، لنرى ان المعارضات العربية ، شانها شان الحكومات العربية قد وقعت منذ عقود في خلط خطير بين الدولة والحكم ، لاننا لم نتجاوز عصر لويس الرابع عشر و " انا الدولة والدولة انا " ، ولذلك كان الحاكم يقيم تماهيا بين مصالحه وارادته والولاء له وبين مصالح الدولة وارادتها والولاء لها ، فتكون النتيجة ان الشعوب ضحية الاقصاء تجد نفسها بين ثلاثة خيارات : اما الالتحاق بركب مصالح النظام الحاكم والتحول الى متعهدي عقود باطن لمصالحه ، واما الانسحاب والانكفاء الى السلبية والتخلي ، واما المواجهة مع الحاكم ونظامه : غير ان اخطر ما في المسالة هنا ان هذه المواجهة كانت تنقسم الى خطين : 
خط يعرف ان من حقه اسقاط الحكم ونظامه ، والحفاظ على الدولة ومنجزاتها وكيانها ووحدتها ومصالحها ، وخط اخر يندفع الى رمي الطفل مع ماء الحمام كما يقول المثل الفرنسي ، فاذا تدمير الدولة وتحطيمها وسيلة الانتقام من الحاكم او وسيلة التكسب لدى اعداء الوطن . ولم يكن غريبا ان يكون الخط الاول هو خط اكثر الناس تضحية وتحملا للضربات من الطرفين .

هذا الواقع ينطبق اليوم على ما يسمى الثورات العربية ، ونحن لا نخجل من القول انها ليست ثورات ، وليست ربيعا ، انها عواصف حراك شعبي قوي ، قد ينجح المخلصون فيها في تحويلها الى ثورات ، وقد ينجح المندسون والجهلة والعملاء في توجيهها وجهة الخراب والدمار ليس الا . عواصف قد تسبق ربيعا ، وقد تسبق دمارا اعصاريا لا نخرج منه لسنوات بل لعقود .
مسؤولية من ؟ يقول الجدليون . لا شك انها مسؤولية الانظمة التي قمعت وافقرت والاهم منعت الجدل الفكري والسياسي الذي يؤدي الى تشكيل الاحزاب السياسية القادرة على ان تقود الشعوب ، وتقدم البديل في حال اسقط الحكم . ولكنها ايضا مسؤولية هذه الاحزاب نفسها ، ومسؤولية من يدعون انهم مثقفون ومن يحلو لهم اسم " الناشطون " .

والحال هذه نقف امام البديل الجاهز : الفوضى ، او الحركات الاسلامية التي تبدو الاقوى على الساحة الشعبية . وهنا لا بد من مواجهة صريحة . فلا جدال انه من حق الحركات الاسلامية ان تمارس دورها السياسي بحرية ، شانها شان الحزب الديمقراطي المسيحي في المانيا او في ايطاليا . ولكنه ليس من حقها ان تصادر الاخرين او تلغيهم . والاهم من ذلك كله انه لا يجوز ابدا ان ترك الامور تصل الى تبني خيار الدولة الدينية ، او تحديد الانتماء للدولة بالانتماء الى الدين ، اذ يكفينا لذلك ان ننظر الى استحقاق سبتمبر القادم بشان الدولة الفلسطينية ، لنرى انه يدور ، كله ، حول الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل ، وما من امر يخدم هذا المطلب اليهودي العنصري ، الا نشوء دول اسلامية ( او مسيحية ) في منطقة الشرق الاوسط المحيطة باسرائيل .
امر يبدو وكانه يشغل بال بعض المفكرين الاوروبيين التقدميين اكثر مما يشغل بالنا نحن . وقد راينا بعضهم يتساءل بقلق عن التحول في تصريحات الان جوبيه وموراتينوس ( والشركاء الاوروبيين ) حول مسالة يهودية الدولة . ففي 18 تموز صرح جوبيه ان مسالة يهودية الدولة يمكن ان تثير مشاكل لان في اسرائيل يهودا وعربا – بحسب تعبيره – واضاف ان لدى فرنسا والاورببين اجمالا رؤية علمانية للدولة لا تعرف الانتماء لها بالانتماء الى دين . غير ان حملة عنيفة شنتها المؤسسات اليهودية والدوائر المؤيدة لاسرائيل من مثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ( كريف ) ، جعلته يتراجع في تصريح مشترك مع موراتينوس بالقول ان لديهم رؤية واضحة للحل دولتين ، كل منهما دولة – امة : اسرائيل امة الشعب اليهودي ، وفلسطين امة الشعب الفلسطيني . 

تراجع لا مجال للدخول في تحليله هنا ولكنه لا يحتاج الى تحليل ليفسر لنا نفاق هذا الغرب ومنطق ان ما ينطبق على الامبراطورية لا ينطبق على البرابرة . فهناك رؤية علمانية ترسي مفهوم المواطنة وتصون الدولة – الامة ، التي يتم تعريفها على اساس اجتماعي حضاري ، وهنا رؤية دولة – امة على اساس ديني عنصري ، ودعم للحركات الدينية ، على اختلافها ، والحركات العنصرية العرقية والاتنية على اختلافها ، على حساب القوميين والعلمانيين . كما ليفسر لنا دعما فرنسيا اوروبيا لحركات معينة ولقوى معينة في الحراك الشعبي العربي ، يخطىء السذج عندما يظنون انه دعم
للتحولات الديمقراطية ولحقوق الانسان .

(حياة الحويك)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق