السبت، ١٠ آذار ٢٠١٢

نموذج الردة - ربى عطية


نموذج الردة
١٠ آذار ٢٠١٢

ابراهيم باشا الوزير الأول للسلطان سليمان القانوني، يخرج على المشاهدين من على شاشة دبي ليلقي خطبة عصماء عن أخلاقيات الجيش الإنكشاري الذي لا يكذب ولا يسرق ولا يطيل اللسان، إنما يتململ كلما توقفت "الفتوحات".
طبعا، يتلازم هذا "التململ" مع مشهد توزع فيه الأعطيات من مال الدولة العلية على الانكشاريين.
هذه مشاهد في مسلسل تركي، إسمه يدل على قبح النظام الإجتماعي الذي يحاولون إعادة تلميعه: "حريم السلطان". يدور المسلسل في كواليس الحريم المقتلعات من بلادهن المستعبدات في الحروب والمباعات في أسواق النخاسة، ليصبحن حريم القصر ومدبرات مكائده، هن والخصيان المساكين الذين لا يأتمنهم السلطان قبل أن يخصيهم!
لا يأتمنهم حتى على نساء لم ينظر مرة إلى وجوههن ممن رمين في الحريم ولم يكن لهن حظ الإرسال إلي خلوة السلطان، دون أن ننسى أن أولئك الحريم يجبرن على الإسلام وتغير أسماؤهن كي يحل للسلطان “الاختلاء” بهن.

كل هذا يدور في قصور جميلة وثياب مزركشة وبين أرائك ملونة رخيمة، تغازل جميعها المزاج الاستهلاكي النفطي، كما تدور الأحداث على وقع قصائد حب يكتبها سليمان لحبيبته الجارية روكسلانا، بينما تمر أوامر تقطيع الرؤوس في المسلسل مرور الكرام و كأنها حكمة علوية للسلطان سليمان..
هكذا، يعاد تلميع الدولة العثمانية للمشاهدين الحالمين بالربيع العربي..
هكذا تدخل ربة المنزل غير المهتمة بنشرة الأخبار تحت عباءة الإسلام السياسي بنسخته التركية - الإخوانية.

طبعا تختار لتلك الغاية شخصية مثل سليمان القانوني الذي أجرى إصلاحات مهمة على القانون العثماني، بقدر ما سمحت له الشريعة الملزمة للقانون. فقد سمح قانونه الجديد بتحسين الوضع الضريبي للمزارعين المسيحيين المقتطعين مع أرضهم لأصحاب الرتب في الجيش والدولة العثمانية، كما قلل من الحالات التي يعاقب فيها بالإعدام وقطع اليد، وخفض الضرائب على الاستيراد والتصدير، وحمى اليهود ومنع القدح والذم بحقهم بما يخص “عجين الدم”.
ويزيد في تلميع صورة الخلافة العثمانية للمشاهد المعاصر أن بطل المسلسل سليمان حرر جاريته التي أحبها وتزوجها جاعلا إياها زوجة مقربة وحيدة بعد أن أبعد زوجته الأولى مبكرا، ليبقي روكسلانا (خرم سلطان) إلى جانبه حتى مماته كاسرا تقاليد القصر العثماني ومقدما نموذجا مدحه المؤرخون الأوروربيون. لكن كل هذا طبعا جرى بأمر وهوى السلطان، لا بحقها الإنساني، وهي في المسلسل كما في التاريخ منتقدة كونها راكمت قوة تفوق "حقها" كامرأة.
كما أن السلطان المصلح طبعا لم يخرج عن نظام الملل ولا عن نظام الحريم ولا عن "محاربة الكفار" وفتح ديارهم ولا عن قطع رأس من يشك في أمره حتى ابنه البكر.

تفكير لا يخرج طبعا عن أي ذهنية امبراطورية توسعية، ولا يضير سليمان الذي ورث نظاما وحاول إصلاحه.
وإذا كان اتخاذ الدين أو الأيديولوجيا حجة للتوسع مدانا، فهو أيضا حال كل الإمبراطوريات التي تتوسع مرة باسم الشيوعية ومرة باسم الديمقراطية.. إلخ.
لكن المستهجن هو حال بعض الشعوب التي كانت محتلة ومنتهكة وتعود اليوم لتمارس حنينا إلى تلك الأيام، وهو ما لا يفهم إلا في إطار الردة الدينية والمذهبية تحديدا. فسليمان هذا، هو الذي حارب الصفويين وأخرجهم من العراق والخليج، جاعلا الخليج العربي والبحر المتوسط بحيرتين عثمانيتين. ولا فضل عند المشاهد المتمذهب لاحتلال تركي على فارسي إلا بالمذهب.

عامل آخر يجعل من النظام "الحريمي" المعروض في المسلسل مقبولا في بعض المجتمعات العربية أكثر من بعضها، هو عدم ابتعاد هذه المجتمعات عن نظام الحريم كثيرا خصوصا لدى أولي الأمر. بل وإننا بتنا نسمع بالتزامن مع موجة الربيع المجهض دعوات إلى ردة اجتماعية من بلاد عريقة في المساواة الاجتماعية، آخرها دعوة "حزب الانفتاح والوفاء" التونسي لإعادة نظام الجواري قانونا إلى تونس.

مسلسل إسمه "حريم السلطان" تعلن دعايته على لسان سليمان القانوني أنه سيجعل البحر المتوسط بحيرة عثمانية.. ولا يشتم أحد رائحة تبعية بالسياسة، ولا عبودية بالمجتمع.. 

ربى عطية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق