الأحد، ٢٩ كانون الثاني ٢٠١٢

دمشق والصحافة الاجنبية- د. حياة الحويك عطية

 د. حياة الحويك عطية
العرب اليوم الأردنية
 
2012-01-30
عندما وصل استاذ الجيوبوليتيك الى موضوع العالم العربي, قال للباحثين الذين يشرف على اطروحاتهم للدكتوراه, هذه الدول لا يمكن تناولها الا كاديان وطوائف ومذاهب واتنيات. انها فسيفساء غير متجانسة, كان بين الفريق المكون من تسعة, خمسة من اقطار عربية مختلفة, لم يعترض منهم الا واحد: ساله, وما قولك يا دكتور لو تناولنا اوروبا بذات المقاربة ? افلا نعود الى مسببات الحربين العالميتين? بل الى ما قبلها من حروب قارية? ماذا لو تناولنا فرنسا كغوليين وفرانك وبريتون واصحاب اصول مختلفة تعود الى كل المستعمرات? لماذا تفرض قوانين مكافحة العنصرية عندكم عقوبات كبرى على كل من يحدد الهوية بالدين او العرق, فيما ترسخون هذه الانتماءات لدينا?

صمت الرجل برهة, وقال: هذا صحيح, ولكننا دفعنا ثمنا غاليا من الحروب والثورات حتى خرجنا من كل ذلك الى دولة المواطنة وانتماء المواطن. انتم ما زلتم وراءنا بقرنين على الاقل, في هذا المجال.

وجه من وجوه الحقيقة, غالبا ما نرفضه معترضين بان الغرب يغذي هذه التجزئة بيننا, كما انه المسؤول عن تجزئة جغرافيتنا وشعوبنا في اتفاقيات سرية لم تعلن الا بعد انتهاء حروبه. ولا شك في ان ذلك صحيح, ولكن اين مسؤوليتنا نحن في ذلك? واين اصبحت الاتجاهات التنويرية التي عملت على تجاوز هذه العوامل المدمرة منذ مطلع عصر النهضة?

هذا الصباح أقرأ الصحف الفرنسية, واستمع الى البي بي سي, التي تبدو احيانا موضوعية اكثر من بعض وسائل الاعلام العربية, ويعيدني الامر الى ما قبل الحرب على العراق. الاجواء نفسها, السم في الدسم في اكثر ما يبدو موضوعيا: لا يذكر اسم حي او مدينة الا ويقال انه ذو اكثرية علوية او سنية او كردية او سريانية او عربية او او... من مختلف صنوف الجزيئيات المفككة, حتى لو تقدم العلوي السني عليها كلها (مؤقتا). واذ اقول مؤقتا فانما لنتذكر الحرب اللبنانية التي بدات بين فريقين ثم تشظت الى عشرات الفرق حتى ضمن المعسكر الواحد والطائفة الواحدة.

من صحف اليمين الى صحف اليسار مرورا بالوسط لا ارى فارقا في التناول, امر بتقارير المراسلين من سورية, فاكتشف انها وبوضوح ابعد بكثير من تقارير صحفية, لانها تعكس, وبحسب كاتبيها, حركة مكلفين بمهمات محددة, بالتنسيق مع جهات محددة, يقومون بها في اصعب ظروف المخاطرة, الليلية غالبا, التي يروونها وكانها فيلم رعب. ولا يتورعون عن تحديد طبيعة الجهة التي اطلقت النار هنا او القناص المتمركز هناك (نقلا عن فلان من الجيش السوري الحر) وكأن روايته لا تحتاج الى التحقق.

في تقرير عن ضاحية من ضواحي دمشق, تتحدث البي بي سي عن زيارة فريقها للبلدة لكن الكاميرا تتوقف على حاجز لمقنعين يقولون انهم من الجيش الحر, ويروي المراسل كل روايته بناء على ما يقولونه له, ثم يختم بان زيارة الضاحية كانت خطيرة.

لا نجد في كل هذا الاعلام كلمة واحدة عن الاصلاح, ولا نستغرب ذلك من دول تحلم بالهيمنة على المنطقة, ولها مصلحة وجودية في تدمير سورية, ولذلك فلا مصلحة لها باجراء اصلاحات تعيد البلد الى الهدوء, وبمصالحات توحد جهود السوريين لبناء الغد. وقد لا نستغرب وجود غوغاء ومنتفعين التفوا على المعارضين الحقيقيين الذين كانوا يناضلون لاجل هذه الاصلاحات, ولا نستغرب ان هؤلاء غابوا عن الشاشات ليحل محلهم هؤلاء الذين لم نسمع بهم يوما, لا معارضين ولا حتى سياسيين والذين يخرجون علينا من الشاشات كما من القمقم السحري لا ليقولوا شيئا الا المطالبة بالتدخل الخارجي لاحتلال بلادهم بينما يتسكعون هم على ارصفة الغرب. لكن ما نستغربه هو هذه الدول العربية المضروبة بالبهسة, وكأنها لا تعرف ان النار متى وصلت الى مرادها في سورية فان الدور على التالي, ثم, ثم, حتى النهاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق