الأحد، ٢٣ حزيران ٢٠١٣

سوريا ما وراء وبعد الحرب د. حياة الحويك عطية

د. حياة الحويك عطية

سوريا ، ما وراء وبعد الحرب

يشتد عض الاصابع ، ويخرج الكثيرون بعض الاوراق من جيوبهم ، ينشرونها للاعلام في عملية استعراضية واضحة . فلماذا تنشر لوس انجيلوس تايمز عن مكان وزمان ودورات تدريب مسلحي المعارضة في الاردن وتركيا باشراف السي اي ايه ، دون ان يكذبها اي من المسؤولين في الادارة الاميركية؟ ومن ثم تعيد الصحف الاوروبية نشر التقرير الاخباري كاملا باللغتين ( من مثل الفرنسية والانكليزية على موقع لوموند)؟  ولماذا يخرج فلاديمير بوتين ووزير خارجيته المحنك سيرغي لافروف ، وعدد من اعضاء جهازه الديبلوماسي والاعلامي في حملة هجومية منظمة حول شرعية تنفيذ صفقات الاسلحة الثقيلة مع الدولة السورية مقابل عدم شرعية تسليح الاخرين للجماعات المسلحة ، خاصة الارهابية منها ؟ لماذا تنشر اخبار انشقاق العديد من كتائب الجيش الحر والتحاقهم بجبهة النصرة ، في حين تعلن المجموعات المسلحة عن تلقيها اسلحة جديدة سوف تقلب المعادلة على الارض ؟ لمذا تنشر لو فيغارو ارقام الاطنان التي زودت بها دول معينة المعارضة السورية، في حين تقدر وسائل اخرى ان مجموع ما صرف على دعم المعارضة السورية بالسلاح وغير السلاح بلغ مئة مليار دولار ؟ بل كيف نفسر ما يبدو تناقضا بين التحليلات العالمية ( والتي نجدها على صفحات لوموند ايضا)التي تقول ان امير قطر القادم قريبا (اميرا للبلاد او رئيسا للوزراء ) : تميم بن حمد سيكون عنوانا لمرحلة تهدئة ...تهدئة في حين تستضيف الدوحة مؤتمر اصدقاء سوريا ، للبحث في تسليح المعارضة ، فيما يتحدث لوران فابيوس عن الحل السلمي ؟ علما بان فابيوس هو اليهودي الاكثر حماسا لاسرائيل والوزير الاكثر شراسة في فريق فرانسوا هولاند، ضد الحكم السوري.
اسئلة لا تشكل الا غيضا من فيض يذكرنا بان اكثر معارك فيتنام ضراوة حصلت عندما بدا التفاوض الدولي . دون ان يعني هذا ان التفاوض حول سوريا سيحسم في جنيف 2 ، ولا ندري كم هو الرقم الذي سنصله قبل الحسم . الكعكة السورية هائلة : ستراتيجيا وثروات وارتدادات . العالم كله سيتغير مع التغيير السوري ايا يكن شكله ، ومرة اخرى تثبت عاصمة الامويين انها قلب العالم وانها لم تكن صدفة اول عاصمة في التاريخ.
لكن هذه الاهمية مربوطة بكم الحقد تجعلنا نضع اليد على القلب : على سوريا الدولة اولا ، على سوريا التاريخ ثانيا ، تاريخ الحضارة والتعايش والتعددية الذائبة في الوحدة والثقافة المتجذرة الفياّ في حقيقيتها، سوريا المقاومة منذ هولاكو ومنذ حروب الفرنجة ومنذ سايكس بيكو والحقد الفرنسي الذي قصف دمشق ليخضعها، ، فلم يستطع الا بتوقيع رفض ومقاومة سجله للتاريخ دم وزير دفاعها يوسف العظمة. واذا بهذه الوقائع تقودنا الى ان سوريا هي جيشها ، الجيش العربي السوري الذي اضطرت حتى بعض الدوائر الغربية لان تصفه بالاسطورة ، جيش يقاتل العالم وبميزانية لا تزيد عن مليار دولار ويصمد لسنتين وما يزال مصرا على انه هو من سيحدد النتيجة على الارض وبالتالي على طاولة الحل السياسي .
غير ان ثمة بعدا اخر يتعلق فيما بعد الحل الذي ما يزال بعيدا . بعد يتعلق بالثروات وبالخط السياسي وبالاصلاح . وبدءا من الاخير : الاصلاح حتمية لا بد منها ، ولكن اي اصلاح ؟ هل سيكون اصلاحا يدعم سوريا في موقفها القومي والمقاوم لاسرائيل وللامركة وبالتالي للعولمة الاقتصادية ؟ هل سيكون اصلاحا يكرس العلمانية السورية النموذجية في مفهوم عربي للعلمنة : يحترم الاديان وحرياتها ويبعدها عن التدخل في الدولة؟ ام انه سيفرض علينا القبول باحزاب دينية تكرس الاصطفاف والتخلف وتكرس – اخطر ما تكرس – تقديم الانتماء الديني ايا كانت جغرافيته على الانتماء القومي؟  ام ان المعيار الداخلي سيكون ثانويا ازاء قبول الجميع بالعولمة وبالتطبيع وبالتخلي عن المشروع القومي ، حتى ولو قبل الاحتفاظ ببعض الشعارات القومية المفرغة ؟ هل سيكون الاصلاح الاقتصادي هو ركوع سوريا ، وتسليمها لثرواتها الهائلة للشركات المتعددة الجنسيات التي وصفها اينياسيو رامونيه منذ بداية التسعينات ب " سادة العالم الجدد" ؟ وهل هذه الشركات ببعيدة عن تمويل ودعم التدمير ليتسنى لها الافادة من اعادة الاعمار واخضاع البلد لثقافة الاستهلاك المدمرة ؟ هل ما يتم تداوله عن سوليدير اخرى في حلب ببعيد عن التدمير الممنهج الذي مورس على المدينة وخاصة  على مصانعها ومن ثم احراق المجموعات المسلحة للاسواق القديمة ، اطول اسواق مسقوفة في العالم بعد اسطمبول ورمز التجارة السورية القائمة على الانتاج  والمبادلة ؟
لمن ستعمل اليد العاملة السورية المعروفة ببراعتها وعراقتها وما سيكون مصير الخصوصية السورية في كل عملية الانتاج ؟ من الذي سيبتز اموال النفط والغاز القادمين : صانع سوري قادر على بناء نهضة ، ام شركات اجنبية ومستهلك سوري تدمر ثقافته الانتاجية والوطنية لصالح ثقافة استهلاكية مسطحة مفرغة يسهل نشرها تعب الناس من الحرب ؟ اسئلة تفصيلية تدور في فلك السؤال الاكبر : اي وجه جديد لسوريا الغد سيقرر وجه العالم العربي وبالتالي العالم ؟