د. حياة الحويك عطية
عن صحيفة العرب اليوم
١٢.١٢.٢٠١١
الانباء القادمة من باريس تقول ان الوكيل التركي يتخوف من تحول خطير في المنطقة ينتج عن الانسحاب الاميركي من العراق. حيث يهدد ما بعد الانسحاب بحرب اهلية سنية شيعية, واذا ما حصل ذلك فان الطرف القوي والمستقر في العراق سيكون المنطقة الكردية وحدها. تحول يؤشر اليه اندفاع رجال الاعمال باتجاه اربيل, ومعهم رجال السياسة. على سبيل المثال, وفي الاطار ذاته, تتحدث الاوساط السياسية اللبنانية عن زيارتين لوليد جنبلاط وامين الجميل الى شمالي العراق.
هذا التحول, ان حصل, سيقوي مطالب الاكراد وحركتهم, وبالتالي سيشل الحركة التركية الحرة في المنطقة, وسيهدد كلا من ايران وسورية, فهل يعيد خلط الاوراق بطريقة مختلفة? وهل سيكون احد نتائجه عودة المبادرة العربية من اليد القطرية الى اليد السعودية?
منذ بداية التحرك العربي والكثيرون يتساءلون كيف يمكن ان تترك الرياض قيادة المركب العربي للدوحة, هي التي لم تكن تضع في حسابها يوما الا ثلاث عواصم : القاهرة ودمشق وبغداد. وان نقول يوما فانما نبدأ من ظهور الاسلام وحتى ظهور النفط, ومن ايام المحميات الخليجية حتى تشكل مجلس التعاون الخليجي, مرورا بايام المنافسة مع عبد الناصر وصدام حسين.
السياسة السعودية كانت دائما مدفوعة بالاصرار على دور القيادة, سواء على مستوى العالم العربي او العالم الاسلامي, وبشكل اكثر بديهية على مستوى مجلس التعاون الخليجي. فلماذا نجدها اليوم تقف وراء اصغر دول هذا الاخير? ألم يكن من المنطقي انه وقد حيدت مصر منذ كامب ديفيد, ودمرت بغداد, وشبكت دمشق بمشاكلها, ان تبرز السعودية كالدولة المفتاح?
قد يكون جواب الاستراتيجيين بان السعودية قد اعطيت تفويضا بخصوص الخليج العربي, عبر توليها موضوع البحرين, ومن ثم موضوع اليمن, ولان هذين الموضوعين يشكلان موضوعا حدوديا وامتدادات بشرية, أي قضية حياة او موت بالنسبة لها, فقد وجدت نفسها مجبرة على ان تقايض هذا التفويض بترك الملفات الاخرى لغيرها, حتى ولو اختار الامريكيون ان يكون هذا الغير هو قطر الدولة الخليجية الميكرو التي لم تعترف بها السعودية, يوما.
اما اسباب هذا الاختيار فكثيرة, منها ان الجهات الغربية تخطط دائما لاضعاف وتحطيم الدول العربية الماكرو, وبشكل خاص مصر والعراق وسورية والسعودية, بصرف النظر عن طبيعة الانظمة التي تحكمها. فطالما ان هذه الدول تملك ما يسمى في العلوم السياسية عناصر السيادة : الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والثروة, فان ما من شيء يضمن عدم حصول تغيير يصب ضد المصالح الامريكية والاسرائيلية.
لذلك عملت هذه الجهات, بالمقابل على اعطاء دور للدول الميكرو التي لا تملك عناصر السيادة هذه, خاصة اذا كانت تملك الثروة, لفائدة هذه الثروة ولاستحالة حصول تغير فيها يصب في الخط الذي ذكرنا. فمن الذي سيقوم به? وماذا يفعل عبد الناصر نفسه لو ظهر في قطر? او حتى صلاح الدين?
غير ان الخطير في هذا التحليل هو ان الدور القادم, بعد سورية, هو على السعودية, وذاك ما كتبته معاريف في عنوانها لرئيسي بعد سقوط العراق: "اليوم العراق وغدا السعودية, اما مصر فهديتنا الكبرى". ولا شك ان السعوديين يدركون ذلك جيدا.
من هنا نعود الى الاحتمالية العراقية المطروحة, فاذا ما انحسر الدور التركي في سورية بسبب الاكراد, فان قطر لن تكون قادرة وحدها على استكمال المخطط, مهما صبت من اموال, وعندها سنجدنا امام احتمالين:
الاول هو الاسراع في التدويل وهذا ما تصر عليه الآن جماعة المجلس الانتقالي السوري, ويستعجلونه, في حين تتمسك برفضه جماعة هيئة التنسيق الوطنية, الذين يعترفون بانهم يواجهون ضغوطا عربية واجنبية اسوأ من كل ما واجهوه منذ بداية الازمة.
والثاني ان يجد السعوديون فرصتهم للعودة الى الامساك بزمام قيادة مجلس الجامعة العربية. خاصة اذا لم تؤد مبادرة الوساطة العراقية التي تبذل الآن الى نتيجة.
قيادة في أي اتجاه?
لا جواب الآن?.